غصّت شوارع بيروت، أمس، بالنفايات المكدّسة على طرقاتها. لم تجمع شركة «سوكلين» النفايات بحجة عدم سعة مراكز التخزين في منطقة الكرنتينا، وفق ما أكدت مصادر الشركة لـ «الأخبار»، فيما أثير عن ان السبب الفعلي لامتناع الشركة يعود الى محاولتها الضغط لتجديد عقودها في مجلس الوزراء.
كذلك جرت الاشارة الى أن الاضراب الذي نفذّه عمال الشركة احتجاجا على مصيرهم «المجهول»، قد يكون عاملا اضافيا أدى الى ابقاء النفايات وتراكمها، لكن بمعزل عن السبب المباشر، يبدو ان الصفقة التي تعد للانتقال الى مطمر جديد في عكار تستدعي عودة تكدس النفايات في العاصمة ، للمزيد من الضغط لقبول الحل الذي دفع ثمنه مئة مليون دولار في مجلس الوزراء أول من امس.
«المشهد في منطقة الكرنتينا بات مخيفا، نهر بيروت يغص بالنفايات، والباحة المخصصة لجمع النفايات المكدسة عبارة عن جبال متراكمة»، هكذا تصف بعض الجهات المعنية في منطقة الكرنتينا «الوضع القائم هناك، وفيما عقد وزير البيئة محمد المشنوق، امس، اجتماعا مع رئيس بلدية بيروت بلال حمد، حضره عدد من الخبراء والمستشارين في الوزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار لـ «التداول في عدد من القضايا التي تخص العاصمة، تردد قيام حمد بزيارة تفقدية لباحة AB في المرفأ، الأمر الذي استدعى استنفارا لدى نقابة عمال وموظفي مرفأ بيروت تخوفا من العودة الى «سيناريو» استخدام الباحة مكاناً لتخزين النفايات.
وحذّر رئيس النقابة بشارة الأسمر في حديث لـ «الاخبار» من استخدام باحة AB في المرفأ كـ «ملاذ» للنفايات المتكدّسة، قائلا: «تعهّدت لنا رئاسة مجلس الوزراء عدم استعمال الباحة، الا اننا نتخوّف من اعادة طرح استخدامها كحل مؤقت للأزمة الراهنة»، وملمّحا الى «عودة الاعتصامات والاحتجاجات إذا كان التراجع عن ذلك التعهّد». في هذا الصدد، تلفت بعض المصادر المعنية الى أن مكب برج حمّود، القريب من منطقة الكرنتينا لم يعالج بعد، ملمحة الى امكانية استخدامه كبديل مؤقت في ظل الازمة الحالية.
يقول محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب ان هناك قرارا اتخذ بعدم استخدام هذه الباحة من قبل مجلس الوزراء، وبالتالي لا يوجد مخطط لاستخدامه كحل مؤقت في ظل الازمة الحالية. يلفت شبيب الى ان الحل يكمن حاليا لدى مجلس الوزراء، لافتا الى امكانية معاودة الشركة عملها في اليومين المقبلين، ومشيرا الى انه بصدد متابعة الملف الصحي على صعيد مخاطر انتشار الامراض والاوبئة الناتجة عن تكدّس النفايات.
منذ فترة، أثير عن خطر انتشار مرض «الكوليرا»، في ظلّ تكدّس النفايات في الشوارع، وخصوصا في حال تساقط الأمطار. حينها عقد وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور مؤتمرا صحافيا أكّد فيه ان «النفايات لا تولّد كوليرا».
تستبعد رئيسة دائرة مكافحة الأمراض الإنتقالية في وزارة الصحة عاتكة برّي خطر انتشار «الكوليرا»، «والوزير سبق ان اشار الى التهويل الحاصل في هذه المسألة». تشرح برّي ان خطر تساقط الأمطار على النفايات يكمن في احتمال تسرّب رواسب النفايات الى التربة وبالتالي الى المياه الجوفية، وهو ما يرتب تداعيات خطيرة ليست بالضرورة ان تكون على المدى القريب، بل على المدى البعيد «كأن يرتفع عدد الاصابات بمرض السرطان وغيره».
كلام بري يؤكده اختصاصي امراض وبائية، إذ يشرح لـ «الأخبار» ان الكوليرا «عبارة عن جرثومة تعيش في الماء، وتنتقل إذا جرى شرب مياه ملوثة او أكل ملّوث، ومصدرها البراز، وبالتالي مواجهة خطرها تستدعي الالتفات إلى بنية الصرف الصحي للتأكد من عدم خلطها ومياه الشفة». من هنا، تأتي الاشارة الى خطر انتقال الكوليرا إذا تساقطت الامطار على النفايات التي تتضمن بقايا براز كأوراق الحمامات والحفاضات وجرى تسرّب هذه المياه الى مياه الشفة المستخدمة في الاكل وغيرها.
الا ان الخطر القائم من تكدّس النفايات في ظل الشتاء، لا يتوقف على «الكوليرا»، «آلاف الجراثيم قد تتأتى عن عمليات التفاعل بين المياه وهذه النفايات، من ضمنها السالمونيلا، فضلا عن خطر تراكم الجراذين، وبالتالي خطر انتشار مرض الطاعون»، وفق ما يقول الاختصاصي، لافتا الى «ان الوضع يصبح كارثيا اكثر إذا تساقطت الامطار».
عندما اعلن شبيب منطقة الكرنتينا مكاناً لتخزين النفايات، لفت إلى وجود 6 مراكز رديفة لم يُحددها لـ»عدم التهويل» على ابناء المدينة. ماذا عن هذه الاماكن «المجهولة»؟ وهل نفدت قدرتها الاستيعابية؟ ما من اجابة حاسمة في هذا الصدد.
«الرهان على عكار كخيار شبه وحيد للخروج من الأزمة»، هذا ما قاله وزير الداخلية والبلديات منذ يومين.