بفضل «الرقص مع الذئاب» (1990 – Dances With Wolves، 7 جوائز أوسكار، من بينها أفضل فيلم)، و«المدى المفتوح» (2003، Open Range)، ومسلسل «يلوستون»، أصبح كيفن كوستنر بلا شك رجل هوليوود المعاصر في ما يتعلق بأفلام الويسترن. كمخرج وكاتب وممثل، ظلّ كوستنر يروي قصصاً مثيرة عن الحياة الصعبة في الغرب المتوحّش لعقود. عمله «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول»، ليس مجرد فيلم ويسترن جديد في زمن مراجعة الأنواع الكلاسيكية، بل استعادة لكيفية ولادة الغرب الأميركي بالتفصيل (المملّ). ما يُعرض اليوم في الصالات السينمائية، هو فيلم تبلغ مدته ثلاث ساعات، لكنّه لا يزيد عن ربع مشروع كوستنر الذي يهدف إلى أن يكون رباعية (أربعة أفلام) بمدة إجمالية تصل إلى 12 ساعة. لذا، «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول» هو فيلم ويسترن قيد الإنشاء. مشهده الأول، مستوطن يغرس وتداً في الأرض لقياسها وبناء بيت عليها. يعيدنا هذا المشهد إلى فكرة تأسيسية وطموحة، إلى حلم الأرض الموعودة، ويبقى أن نرى ما إذا كنّا سنصل إلى تلك الوجهة آمنين وسليمين وسعيدين.كان كوستنر يحمل فكرة هذه الملحمة الغربية معه منذ عام 1987، وحتى بعد محاولات فاشلة لتمويلها، سمّى ابنه، المولود عام 2009، «هايز» تيمّناً ببطل الفيلم. وكان المقصود من ذلك تذكيره بمواصلة المشروع رغم كل النكسات. اليوم، يعرض الفصل الأول في الصالات، والفصل الثاني سوف يُعرض في آب (أغسطس)، فيما لم يحدّد موعد عرض الثالث والرابع، ربما في صيف العام المقبل.
في الحقيقة، بعد مشاهدة الفصل الأول، كانت الخيبة كبيرة، على قدر طموح كوستنر الأكبر. لكن الحكم على فصل تمهيدي أمر معقّد. المشكلة أنّ الفيلم لا يعلن عن نفسه في أي وقت من الأوقات، ولا يقدم لنا شيئاً يجعلنا نشك أنه يريد حقاً سرد قصة تتجاوز تقاليد أفلام الويسترن، أو شيئاً لم نشاهده من قبل. بنية النص بسيطة بقدر ما هي متسرّعة في حواراتها. كما أنّها تخطيطية بقدر ما يمكن التنبؤ بها. لكن دعونا لا نخاف، هناك أسباب للثقة بهذا المشروع. «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول» هو واحد من تلك الأفلام التي لا تهتم بالتفاصيل فقط، بل تحبها بشدة. ولا يمكن ألا ننبهر بالمشاهد الموجودة، فهذا الجانب أتقنه كوستنر كمخرج. هناك مشاهد جديرة بالاهتمام، لكن الباقي عبارة عن أرض قاحلة ومشاهد لبناء وتقديم الشخصيات، أما الجانب السردي فهو قصة أخرى، تقليدية جداً، إلى درجة أنها لا تستطيع أن تمسك بنا كما نرغب.
لا يريد كوستنر تخريب أو مراجعة أو كتابة أي شيء. لنكن واضحين، فـ «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول»، هو فيلم غربي لا يشكك في تقاليد هذا النوع العظيم. الأبطال هم في الغالب من البيض، في حين يُصوَّر السكان الأصليون على أنهم أعداء. هناك بعض السكان الأصليين الجيدين، لكن لا يوجد شخصيات متطورة حقاً. إن نظرة كوستنر الأنثروبولوجية تهتم بشعرية أفلام الويسترن وقصصها. كما أنه لا يتخذ نهجاً نقدياً تجاه هذا النوع من الأفلام والقصص، أو تاريخ السكان الأصليين في الولايات المتحدة، فكوستنر ليس سام بيكنباه ولا آرثر بن ولا حتى جون فورد، لكن لديه طريقته الخاصة في رواية هذه القصص، وهي ناجحة إلى حد كبير.
الشيء الخبيث في «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول» أنه يبدو كأنه قريب جداً، لكن لا يمكنك الوصول إليه، تماماً كالمدينة التي يحمل اسمها «هورايزن»، وقد تم الإعلان عنها في منشورات عام 1869 باعتبارها «الأفضل في الغرب». ولذلك تتدفق حشود من المستوطنين المتفائلين إلى وادي سان بيدرو في مونتانا، ليكتشفوا أنّ المدينة غير موجودة (حتى الآن)، بل هي مجرد مكان جميل بجوار نهر فيه قبور كل من جاؤوا قبلهم. هذا المكان ينتمي إلى السكان الأصليين، وبالتحديد قبيلة أباتشي، وقد قُتل حتى الآن كل من تجرأ على استيطان أرضهم. ومع ذلك، فإن المزيد والمزيد يستمرون في القدوم. الفيلم يتعلّق بتأسيس هذه المدينة، كنموذج أولي لتشكيل المجتمع الأميركي. إن امتلاك الأرض البكر كطريق للحضارة هو اللحظة التأسيسية للبداية المفترضة للأمة. بعد ذلك، سنجد المزيد من المستوطنين، ومذبحة كبيرة على يد الأباتشي، مصحوبة بتمجيد ملحمة البقاء.
بعد الهجوم الأول، تكتشف أن «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول» يعمل كخريطة كبيرة للتاريخ، ويبدأ بالكشف عن شخصيات متعددة يرمز كل منها إلى تطوّر أسطورة الغرب الأميركي. في عالم قبيلة الأباتشي، نجد الابن المتمرّد المحارب والأب الزعيم المعتدل. وفي عالم البيض سنرى كيف يقوم الضباط الفرسان بحماية المستوطنين، وتزامن الحروب مع الهنود مع بداية الحرب الأهلية الأميركية. وعلى الجانب الآخر، هناك الخارجون عن القانون، وخطّ سكة الحديد التي يتم بناؤها بمساعدة الصينيين، وأولئك الذين يحاولون إنشاء أولى الشركات والقوافل التي تعبر المساحات الكبيرة. ومن بين الشخصيات، يوجد البطل، الوحيد الذي يطارده الخارجون عن القانون. يعرض كوستنر في الفصل الأول، سلسلة من الأحداث التي سيعمل على تطويرها في الساعات التسع المتبقية. في الوقت الحالي، تولّد هذه الملحمة قدراً معيناً من عدم اليقين، فهي تفتقر إلى ما يجعلها غربية عظيمة. إذاً، كشفت القصة عن بعض الشخصيات، وكما يُقال هناك شخصيات أخرى سوف تأتي تباعاً مع تقدم السلسلة. الآن لدينا فرانسيس (سيينا ميلر)، واحدة من الناجين القلائل من هجوك الأباتشي الأول، وقد وجدت مأوى مع ابنتها إليزابيت (جورجيا ماكفيل) في مستعمرة قريبة يحرسها الجنود. هناك، يعترف الملازم أول ترانت (سام ورثينغتون) والعقيد هوتون (داني هيوستن)، بأنهما لا يستطيعان حماية المستعمرة الجديدة بشكل فعال. في الوقت ذاته، يقود ماثيو (لوط ويسلون) قافلة طويلة من المستعمرين الجدد والمواشي إلى تلك الأرض الموعودة. وفي مكان آخر، يقع عالم المنجم هايز إليسون (كيفن كوستنر)، بشكل غير متوقع في مشكلة مع أحد أبناء عائلة سايكس المجرمة. ونتيجة ذلك، عليه أن يهرب مع ماريغولد (آبي لي) بائعة الهوى التي التقاها للتو، وطفل اختها إلين (جينا مالون)، التي هي بدورها ذات ماضٍ سيّئ مع نفس العائلة.
بمشاهد بانورامية، وقوافل طويلة، وأحصنة، وسكان أصليون، ومطاردات، وكمائن، ومواجهات بالأيدي والرصاص والسهام، وقصص حب وجنون وكراهية، يروي كوستنر نسخته من غزو الغرب بتفانٍ وعاطفة لا شك فيهما. كل تفاصيل أفلام الويسترن موجودة، ومع موسيقى جون ديبني، ننتقل إلى منتصف القرن التاسع عشر. «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول» ذو بنية غريبة بعض الشيء وحبكات متقاطعة، يجعلنا نقفز بين القصص باستمرار، وأحياناً من دون معنى كبير. يحاول كوستنر تغطية الكثير من الشخصيات، ما يجعل التنقل بين القصص ثقيلاً بعض الشيء، بحيث لا يتقدم بعضها. مشكلات السرد تلقي بظلّها على الفيلم، الذي هو بمثابة مقدمة، لكن لا شيء يتجذر به. لدينا جبال مونتانا المغطاة بالثلوج، والغابات الخريفية في وايومنغ، والمراعي في وادي سان بيدرو، وكل المواقع والأحداث الكلاسيكية لهذا النوع. ولكن حتى بعد ثلاث ساعات، يصعب أن نتخيل كيف سيكون كوستنر قادراً على إشباع جوع الصورة البانورامية. يجسّد الفيلم الكليشيهات المحبوبة لهذا النوع، ويتمتع بأصالة لا جدال فيها. لكن بقدر المشاهد الافتتاحية الجذابة، يصعب تصديق كيفية نجاح كوستنر في جمع كل تلك القصص والشخصيات التي تشكل العمود الفقري للفيلم.
الأبطال هم في الغالب من البيض فيما السكان الأصليون هم الأعداء


ما نعرفه أنّ كوستنر يريد أن يكون هذا الفيلم الذي أخرجه ولعب دوراً فيه وأنتجه، هو فيلم ويسترن شامل يتجنب البساطة البسيطة لأفلام الغرب القديمة، ويتناول بشكل لا يقارن الشخصيات النسائية ودور الزوجة والأم. قال كوستنر إنّه يريد أن ترى ابنته ما مرّت به جدتها الكبرى. ولكن كل هذا لم نره في الساعات الثلاث الأولى من الفيلم. وإذا كان هناك شيء واحد علينا الاعتراف به، فهو أن كوستنر يعرف كيف يصنع فيلم ويسترن، من الأزياء إلى الصور الملحمية والموسيقى والإيقاع والجو. يحبّ عددٌ من المهرّجين تقديم أنفسهم على أنهم نجوم قصتهم، ولكن كوستنر يعرف كيف يجلس في المقاعد الخلفية. وظهوره بشكل بارز على ملصق الفيلم، ترجع إلى حقيقة أنه يعرف قيمته في شباك التذاكر وليس بسبب غروره.
بغض النظر عن نظرتنا إلى الفيلم ونقدنا له، ومكامن ضعفه أو قوته، يبدو «أفق: ملحمة أميركية – الفصل الأول»، كخطأ طويل يختتمه كوستنر بمشاهد تبدو كتريلر (عرض ترويجي)، مدته تقريباً خمس دقائق أو حتى أكثر، يكشف فيه جوانب مشروعه وأبعاده وما سيحصل في الحلقات التالية!
بالنسبة إلى المشاهدين الذين يتوقعون فيلماً غربياً كلاسيكياً، ليس مؤكداً أنّ الفيلم سيمنحهم المتعة المرجوّة. بمجرد انتهاء الفيلم، نتساءل عما إذا كان ضرورياً تقديم مشروع مماثل على الشاشة الكبيرة. ربما سيكون مناسباً أكثر للشاشات الصغيرة ومنصات البث الرقمي. ندرك أنّ هناك شيئاً ما في الفيلم يمكن البناء عليه، لكنّ الفصل الأول أو الحلقة الأولى يجب أن تكون جذابة. وهذا هو المكان الذي يمكن أن يفشل كل شيء، وهنا فشل كوستنر، والسبب الحقيقي لمشاهدة الفصول التالية، ليس القصة أو الشخصيات، بل إيماننا بكوستنر، أو بالأحرى تمنياتنا بأن نرى شيئاً أكثر قوة.

* Horizon: An American Saga Chapter one في الصالات اللبنانية