«توقف قلب المتعاون والمتابع لعبقرية عمل لينين، القائد الحكيم ومعلم الحزب الشيوعي والشعب السوڤياتي». جملة تكررت كثيراً طوال فيلم «جنازة رسمية» للمخرج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا. عبارة كانت نقطة النهاية لحياة جوزيف ستالين ولكن ليس لإرثه. [اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
في 5 آذار (مارس) 1953 توفي ستالين، وسط علامات استفهام وتعدد الروايات حول أسباب الوفاة. في «جنازة رسمية» (2020)، يعود لوزنيتسا إلى الوثائقي التاريخي على أنه ميلودراما. في الفيلم، يعيدنا لوزنيتسا إلى 1953، وتحديداً إلى الأيام التي تلت وفاة ستالين. مونتاج لمواد أرشيفية ومئات الساعات التي تم تصويرها وقتها: الإعلان عن الوفاة في جميع أقطار الاتحاد السوڤياتي. الاستعدادات للجنازة الرسمية. الوجوه التي تبكي من الصدمة. الحشود التي تتدفق بين الزهور. خطاب كبار شخصيات الحزب. الخوف من الانهيار على وجوه الجميع. التابوت في الساحة الحمراء. كل ذلك بطريقة تراكمية. باختصار، الفيلم يعرض الجنازة بأكملها، يميتنا ويحملنا ويحيينا من جديد في التاريخ. بعد ساعتين وبضع دقائق وبعد هذا الدفن العظيم، يصفعنا لوزنيتسا، بجمل نهائية تتناقض مع هالة الفيلم نفسها. من المستحيل عدم الشعور بالحيرة بين الفيلم نفسه والجمل الأخيرة. درس في التلاعب بالمشاعر ولكن ليس أقل قوة أو إقناعاً... الفيلم من أهم الأفلام الوثائقية الحالية.
بنية الفيلم درامية، مشاهد على خلفية موسيقى جنائزية لموزار، شوبان، شوبرت، تشايكوفسكي تبدو كأنها تدور في حلقة مفزعة. يأخذنا الشريط في رحلة ميثولوجية وانثروبولوجية. يستجوبنا لوزنيتسا طوال الفيلم من خلال نظرات الأشخاص الذين يراقبون تابوت ستالين وقبره. بين الشك وعظمة الحدث، نمرّ بوجوه لا نهاية لها. تجعلنا الحركات المتكررة للأشخاص نتساءل عن المشاعر الحقيقية لهذا الكم من البشر. مرهق الفيلم بسبب الجهد الذي علينا استخلاصه. يهتمّ لوزنيتسا بالطريقة التي تُظهر فيها صور الشخصيات حقيقة دواخلها. حقيقة ينوي إبرازها باستخدام المونتاج كأداة رئيسية. يكمن اهتمامه الرئيسي في قدرة الصور على «التحدث» بدون الحاجة إلى استبدالها أو استخراجها من خلفية غير الخلفية التي كانت مخصصة لها في الأصل، وبالتالي تغيير وجهة النظر تماماً من خلال الشكل والمسافة التي يمنحها الوقت.
لا تقتصر الصورة الدقيقة لطقوس جنازة ستالين على رجل. إنها جنازة دولة، بداية شفق الشيوعية من منظور لوزنيتسا. وليس من قبيل المصادفة أن العمل أعاد شخصية ستالين بعدما أعاد بوتين تعظيم ستالين وإشادته بالنصر في الحرب العالمية الثانية تحت قيادته. انتصار كان يُنظر إليه على أنه معجزة تقريباً ودفع ستالين للتصالح مع الكنيسة، وأصبح لديه بعدها عملياً قوة نصف إله (ذلك المشهد الذي ينحني فيه الآباء أمام جثة ستالين).
يعيد الفيلم قراءة التكافؤات بين الدولة والشمولية، ستالين والشيوعية، وأولئك الذين قاموا بالثورة والذين قادوها أو ربما قاموا بإسقاطها في العقود التالية. تفسير وقراءة لا يمكن عدم إسقاطهما على عصرنا الحالي. في «جنازة رسمية»، لا يمكن لأحد أن ينكر الحزن اللامتناهي لآلاف النساء والرجال الذين ساروا في المدن الكبيرة والأماكن النائية في الاتحاد السوفياتي القديم: من موسكو إلى جمهورية ألطاي الحالية. ولكن لا يمكن لأحد أبداً أن ينكر قوة الفيلم السياسية والثقل الذي يتركه داخلنا بعد الانتهاء من المشاهدة. ذعر لا يختلف أبداً عن الذعر المُرتسم على وجوه من حضروا الجنازة وقتها.

State Funeral على Mubi