div style="padding:6px;border-style:outset">
دراسة
تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على الاستعدادات والتقنيات القتالية التي استخدمها حزب اللّه والجيش الإسرائيلي في حرب تمّوز. في الحلقة الأولى التي نشرت أمس، ركّز الكاتب على المنهج الذي اتّبعه حزب الله والاختلاف بينه وبين ما اتّبع في مواجهات 1993 و1996، وتخصّص الحلقة الثانية والأخيرة اليوم على استعدادات الجيش الإسرائيلي، وكذلك الاستخلاصات الأولية لاستعدادات حزب الله للمعركة المقبلة!
دخل جيش الدفاع المواجهة الحالية، مع مفهوم قتالي مختلف مقارنةً بالسنوات الماضية، وهو مفهوم الفعل والتأثير، ولكنه أبقى في جوهره الجهد الناري عنصراً مهيمناً على هذا المفهوم.
لم تتغيّر طريقة المواجهة مع المنظومة الصاروخية لحزب الله، وحتى إنها لم تتحسّن منذ عملية عناقيد الغضب عام 1996، وارتكزت في الأساس على التشويش ما قبل الإطلاق، وتدمير القاذف بعد
الإطلاق.
من الممكن الافتراض أن تجديدات تكنولوجية معينة قد أدخلت، وربما أدّت إلى فائدة ما في القتال. ولكن مع ذلك، بقي استخدام القوة الإسرائيلية قبالة حزب الله مرتكزاً على النيران الجوية والمدفعية. وهكذا، صحيح أن النيران صعّبت عمليات هذا التنظيم خلال المواجهة الأخيرة، لكنّها لم توقع ضرراً ملموساً بالمنطق العمليّ الذي أدار به عملياته، وهو إدارة معركة طويلة بالنار ضد العمق الإسرائيلي.
ربّما يكون القصف الكثيف لبيروت والبقاع قد «أوجع» هذا التنظيم، ولكنه لم يغيّر جوهرياً من الخطة الحربية الموضوعة للعمل. فطيلة فترة القتال، لم ينجح الجيش في تقليص حجم إطلاق الصواريخ، ولو قليلاً، حتى وإن نجح بضرب منظومة الصواريخ المتوسطة التي أطلقت من جنوبي الليطاني.
وأيضاً، عندما استخدمت قوات برية بعد بضعة أيام من الهجمات الجوية، كان هذا الاستخدام بحجم محدود، على خط الجبهة وفي قطاع ضيق، (مارون الراس مثلاً). هذا الوضع أبقى مقاتلي جيش الدفاع قبالة منظومة برية وممأسسة جيداً ومستعدة سلفاً. علاوة على ذلك، فإن التركيز في قطاع ضيّق مكّن حزب الله من تعزيز قواته في المنطقة، وأن يضخ إليها مقاتليه من قطاعات مجاورة.
هذا الأسلوب أوقع بنا العديد من الإصابات، ومكّن أيضاً حزب الله من مواصلة إطلاق النار إلى داخل دولة إسرائيل، وبـ«الوجبة» الصاروخية اليومية.
ومع أن الاستخدام المكثف للقوات البرية فاجأ حزب الله في الأيام الأخيرة للقتال، إلا أنّه يبدو أنه تمّ متأخّراً جداً، وأكثر مما يمكن أن يضر جوهرياً ببنيته العملية.
يتضح أن وقف القتال في التوقيت الذي توقف فيه، أبقى جزءاً كبيراً من قدرات هذا التنظيم على حالها، وخصوصاً في المنطقة الواقعة خارج الحزام الضيق الذي تمركز فيه جيش الدفاع معظم أيام القتال. وهكذا على المستوى العملي، وبدون مفهوم قتالي ملائم، كان أداء الجيش في القتال واهناً جداً.
مع ذلك، على المستوى الاستراتيجي واللبناني الداخلي، يمكن أن يسجل لمصلحة مديري المعركة في الجانب الإسرائيلي، بعض الإنجازات، وعلى رأسها ضرب المنطلق الأساسي الاستراتيجي لهذا التنظيم، وهو أن العمق الإسرائيلي غير قادر على تحمّل ضربات متواصلة، أو استيعاب عدد كبير من الشهداء (عسكريين ومدنيين). وذلك إضافة إلى ضرب قدرة الردع لدى حزب الله، التي استندت في الأعوام الأخيرة إلى التهديد بإطلاق الصواريخ.
كذلك كشفت المعركة الحالية أمام الجميع، وعرّضت للخطر، أحد المداميك المركزية في المفهوم الأمني لإيران ـــــ قدرة إطلاق بعيد المدى لحزب الله، وتحديداً في الوقت الذي تحتاج فيه إيران إلى قوته الردعية وقدراته.
أضف إلى ذلك أن الدمار والخراب في معاقل الدعم الشيعية التقليدية لحزب الله في الجنوب، لا يزيد من هيبة هذا التنظيم. كما أن الانتقاد الداخلي لحزب الله وقيادته من جانب أطراف مختلفة من خارج الطائفة الشيعية، بل ومن داخلها أيضاً، هو من نتائج المعركة الحالية.
استعداد حزب الله للمعركة القادمة ـــــ استخلاصات أولية
ربّما كان بالإمكان الرسم بخطوط عامة للاستعدادات العملية المرتقبة لحزب الله في الأعوام المقبلة. ويبدو أن في مركز هذه الاستعدادات، المنظومات المدفعية والصاروخية، وجوهر قتال هذا التنظيم سيرتكز على إدارة القتال بالنار ضد العمق الإسرائيلي بحجم أكبر وقوة أكبر. وإزاء النجاح العملي الكبير للمنظومة الصاروخية ذات المدى القصير، من الممكن الاعتقاد بأنه سيتم تعزيز هذه المنظومة.
التدمير المنهجي لقاذفات الصواريخ المتوسطة المدى في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، و، بشكل أقل، ضرب منظومة الصواريخ بعيدة المدى في شمالي نهر الليطاني، قد يدفع هذا التنظيم نحو إيجاد بنى تحتية مكثفة لاستخــــــدام هذه المنظومات في مناطق شمالي الليطاني، وربما في البقاع وشمالي بيروت أيضاً.
سيكون الهدف إغراق المنطقة بالصواريخ، وفقاً للمنطق نفسه الذي وجّه حزب الله لإقامة منظومة صواريخ قصيرة المدى، من أجل إرغام سلاح الجو على العمل في عدد أكبر من القطاعات، وهكذا يعزز صمود هذه المنظومة.
يبدو بنظر حزب الله أن منظومة الصواريخ المتوسطة المدى لم تحقق النتيجة المرجوة، فالأثر النفسي على الوعي الذي خلقه ضرب الصورايخ لحيفا وجنوبها، لم يغيّر جوهرياً من إدارة إسرائيل للعملية، وقد يستخلص هذا التنظيم من هذا الوضع استخلاصين عمليين:
الأول، التخلي عن المنظومة الصاروخية البعيدة المدى والتركيز على الصواريخ القصيرة المدى.
والثاني، الأكثر معقولية، أن يقرر زعماء حزب الله أنه بغية تحقيق الأثر المطلوب في المستقبل، يجب التوسيع والتكثيف الملموس لمنظومات الصواريخ المتوسطة المدى والبعيدة. وسيكون هدفهم في المعركة المقبلة إطلاق صليات مكثفة نحو ما ينظر إليه عندهم كمركز أعصاب «الكيان الصهيوني»، تل أبيب وغوش دان.
من وجهة نظر القيادة والسيطرة، فإن القصف المكثّف للضاحية الجنوبية، الذي تركز فيه حسب التقارير قادة حزب الله، قد يدفع حزب الله إلى توزيع مكاتبه ومقارّه القيادية العملياتية في مناطق مختلفة من بيروت وخارجها، في أحياء مسيحية، يكون قصفها على ما يبدو، أكثر إشكالية من ناحية دولية.
ما زال من المبكر تقدير كامل لاحتمال التغيير العملي الذي قد يمر على هذا التنظيم، لأن هذا التغيير سيتحدد من خلال العناصر غير الواضحة بما فيه الكفاية حتى الآن، ومن بينها قدرة القوة الدولية على منع حزب الله من إعادة تأسيس بنى تحتية عملية في الجنوب، والقدرة على منع مواصلة نقل الأسلحة من سوريا وإيران إلى حزب الله، والديناميكية الداخلية التي ستتولد داخل لبنان في أعقاب المعركة.
مع ذلك، يبرز سؤال واحد حاسم: هل تستطيع إسرائيل من ناحية داخلية ودولية، أن تعمل على تشويش إعادة تنظيم وتعاظم حزب الله، كي تضمن أنه إذا ما اندلعت المعركة المقبلة، فإن نتائجها ستكون مختلفة.
الكاتب
أمير كوليك (باحث زائر في معهد بحوث الأمن القومي ـ جامعة تل أبيب)
المصدر
عدد خاص من نشرة التقدير الاستراتيجي الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي (جافي سابقاً) التابع لجامعة تل أبيب (تشرين الأوّل 2006)
اجزاء ملف "حزب الله في مواجهة الجيش الإسرائيلي":
الجزء الأول |
الجزء الثاني