بيار أبي صعبلا ندري إذا كان علينا أن نفرح أو نحزن. الثقافة العربيّة متوعّكة بعض الشيء، لكن الجميع يتهافت على فراشها، وأرقى الاختصاصيين يشخّصون العلل ويقترحون سبل العلاج. صحت ديار العرب فجأة لتجد أن الثقافة موضع اهتمام رفيع المستوى. «مؤسسة الفكر العربي» تعقد حالياً في القاهرة الدورة السابعة لمؤتمرها «فكر ــــ 7»، «بحضور أكثر من 700 شخصيّة عربيّة ودوليّة». ودمشق احتضنت، خلال اليومين الماضيين، وزراء الثقافة العرب الذين تباحثوا في قضايا استراتيجيّة مهمّة من نوع «مشروع النهوض بالثقافة للتوجّه نحو مجتمع المعرفة».
«مؤسسة الفكر العربي» ــــ المعروفة بخياراتها الطليعيّة والتنويريّة والتقدميّة ــــ أطلقت بحضور رئيسها الأمير خالد الفيصل «التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية»، وفيه أرقام مقلقة (كتاب لكل 12 ألف عربي)، ثم استأنفت أعمالها حول «ثقافة التنمية». أما وزراء الثقافة، فدقّوا جرس الإنذار بالنسبة إلى اللغة العربيّة... وأجمعوا على التمسّك بالقدس عاصمة للثقافة العربيّة 2009 (وعاصمة أبديّة لفلسطين طبعاً). وانصرفوا إلى التحضير لـ«النهضة» الآتية على يد حكوماتهم التي تخطّط وتعمل، بكل عقلانيّة ونزاهة، من أجل الديموقراطيّة وتداول السلطة والعدالة والتنمية ومحو الأُميّة وتحرير الأرض والإنسان.
وتناقلت الصحف عبارات من نوع «تمكين اللغة العربيّة». نسمع عادة عن تمكين المرأة. هذا الشعار الذي يرفعه الجميع ولا يعمل به أحد. هل هذه أيضاً حال الثقافة؟ مهمّشة ومستغلة ومقموعة، مهملة ومنسيّة... وقد هبّ الأوصياء عليها، دفعة واحدة، لتحريرها وإعطائها المكانة التي تستحقها؟ لكن مهلاً، عمَّ نتحدّث بالضبط؟ عن ثقافة المناسبات التي تقدّم الفولكلور على الإبداع، والترفيه على التمرّد، والمديح على السخرية، وتكريس السائد على قلب الأمور، والتزيين على النزف، والانحطاط على التقدّم، وشعراء البلاط على الخوارج...؟ عن الثقافة الرسميّة التي تمجّد الحاكم وتلهي العباد؟ أم ثقافة النقد والحريّة والتجاوز والتغيير؟
حين نسمع كلمة ثقافة نتحسّس جراحنا الجماعيّة الدفينة. نحلم بيوم يصبح فيه أمين الزاوي وزيراً للثقافة في الجزائر. وتقف امرأة على الخشبة أمام جمهور مختلط في السعوديّة. ويشهر الكاتب أو الفنّان أو المفكّر إبهامه في وجه الحاكم ليقول له كما ديوجين للإسكندر الكبير: «تنحَّ عن طريقي... إنّك تحجب عنّي ضوء الشمس».