كان اللقاء جامعاً. تحت مظلّة الصداقة، اجتمع حتى الأصدقاء اللدودون، في الكواليس، دارت نقاشات تبتعد عن اللهجة الإعلامية الرافضة، وتبحث عن معرفة الآخر ولو كان ذلك من دون تجاوز التحفّظات عليهلم تكن مشاركة شباب من حزب الله وحركة أمل، في فعاليات أسبوع الصداقة اللبناني الإيراني مستغربة. ففي نظر كثير من عناصر هذين التنظيمين، العلاقات مع الجمهورية الإسلامية أمر أساسي، لا يقف عند حدود الصداقة. لكن، أن يشارك مندوب لحزب القوات اللبنانية في نشاطات هذا الأسبوع، فهي نقطة تستحق التوقف عندها. كيف لا؟ وفي سجل العلاقة بين إيران والقوات اللبنانية أزمة الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة، فضلاً عن رفض القوات ما تراه تدخلاً إيرانياً في شؤون لبنان. زد على مشاركة القوات، حضور ممثلين لتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. ففي زمن التوتر السياسي، انضمت إيران إلى سوريا، في لائحة الدول التي «تمثّل مشاريعها خطراً على لبنان»، قبل أن يتبدّل هذا الخطاب لاحقاً. على أي حال، حضر ممثلو هذه القوى، وفي جعبتهم تساؤلات يريدون لها إجابات واضحة، لا تشبه ضبابية الدبلوماسية الإيرانية.
قبل أن يشارك في الندوات، يشير ممثل القوات اللبنانية غابي أبو رجيلي إلى علاقته بإيرانيين كثر. تالياً، لم يحمل غابي معه أفكاراً مسبّقة. في الشكل، ينوّه بطريقة الدعوة «جاءت عن طريق الدولة اللبنانية، وهذا نموذج في العلاقات نتمنى أن يستمر». وبغضّ النظر عن الخلاف السياسي، يلفت غابي إلى أن القوات «تتعامل مع الشباب الإيراني كقيمة مشابهة للشباب اللبناني»، لذلك، لم يفاجئه «اعتداد الشعب الإيراني بنفسه». بعد انتهاء الحوارات، التفت غابي إلى تسخير الشباب الإيراني لطاقاته في خدمة مشروع أوحد ومحدّد، صيغة لم تعجبه «هم مجنّدون لمشروع، أحب أن يكون الشباب ليبيراليين أكثر».
تلمس من كلامه رغبة في إيجاد نقاط مشتركة بين الشباب اللبناني والإيراني، لكنه يصرّ على المحافظة على الاختلاف في الرأي السياسي. من جانبه، لا يميز ممثل منظمة الشباب التقدمي فراس حمدان بين الشباب اللبناني والشباب الإيراني «متلنا متلن». في الأصل، لم يكن فراس ضد الشعب الإيراني، فبنظره الخلاف كان سياسياً مع النظام. أثناء حواراته الجانبية، بحث فراس مع زملائه الإيرانيين مسائل كثيرة: المرشد، الثورة، الحراك السياسي بين المحافظين والإصلاحيين. وجد فراس عناصر مشتركة مع الإيرانيين، ترتبط بالطموح العلمي وحيوية التفكير. لفتته صورة المرأة المرتدية «التشادور» الإيراني، وهي تقود حصاناً وتلعب «البولو». أثناء احتكاكه بهم، وجد أن الحوار هو السبيل الأفضل لحل كل المشاكل. أمّا ممثل تيار المستقبل، محيي الدين الخطيب، فكان يعرف مسبّقاً «أن الإيرانيين شعب ديموقراطي. تظاهراتهم تعكس هذا الأمر». وكغابي القواتي لفته مستوى التعليم في إيران. ورغم اعتباره الوفد الإيراني «عيّنة» من الشعب، يؤكد أن التعرف عن كثب إلى الإيرانيين والحديث المباشر معهم، أفضل من سماع خبر عنهم. في رأيه، وهو الذي لم يحتكّ بهم إلا لساعات: «الإيرانيون شعب يحب الحياة والمعرفة». لاحظ أن شباناً إيرانيين سألوا عن تيار المستقبل. يخبىء أسئلة سياسية سيطرحها اليوم. في المحصلة، يمكن القول إن إيران باتت أقرب إلى هؤلاء الشبان وإن ظل الخلاف السياسي قائماً، وخصوصاً أنه ليس مطلوباً أن يقرأ الجميع في الكتاب ذاته.
محمد...