لا يمثّل الصيف فصلاً للمتعة واللهو بالنسبة إلى عدد من الطلاب اللبنانيين. فالأوضاع المعيشية الصعبة التي دخلت كل منزل تدفع بعضهم إلى العمل لتأمين ما يلزمهم من أموال لتغطية رسم التسجيل في الجامعة وما يرافق ذلك من كتب وقرطاسية ومصاريف تؤمن لهم استمرارية عامهم الدراسي
رنا جوني
يبلغ محمد الثانية والعشرين من العمر. لا يقضي هذا الشاب صيفه في التنزه وارتياد البحر أو الخروج مع الأصدقاء كغيره من أقرانه، بل تجده يمارس مهناً متعددة. فهو تارة يجمع الخردة، وطوراً ينقل الحجارة إذا لم يكن يعمل في ورش البناء المتعددة. وعندما ينتهي فصل الصيف، نجد عاملنا «الكادح» طالباً في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بل يطمح أن يكون محامياً في المستقبل. ينتمي محمد إلى شريحة باتت كبيرة من الشبان اللبنانيين الذين يعملون صيفاً، في محاولة منهم للتغلب على الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها الجميع، وتركت أثرها على كل بيت من بيوت لبنان. فمحمد لن يستطيع أن يعود إلى كليته إذا لم يعمل. فوالده يعمل سائق أجرة ووضعه المادي أقل من عادي. وإلى جانب ذلك، فمصروف العائلة كبير إذ لدى محمد خمسة إخوة لا يزالون على المقاعد الدراسية. لذا لا يجد محمد مفراً من العمل المتعب ولا يخجل من ذلك.
«الشغل مش عيب» يكرر دائماً، فيما تبدو قلقة والدته من خطر إصابته بعوارض صحية نتيجة عمله الشاق. ويجد محمد نفسه أحياناً مضطراً إلى مساعدة والده فيقتطع مما يدخره لرسم التسجيل في الجامعة وشراء الكتب ومصاريف العام الدراسي، ما تيسر له للمساهمة في تخفيف الثقل عن كاهل والده الذي يرفض أحياناً مساهمة ولده البكر في مصروف البيت. ومحمد لا يريد أن تحتاج العائلة إلى مساعدة من أحد.
من جهته، يدفع أهل رامي رسم التسجيل لجامعته سنوياً. ولكن الطالب في السنة الثانية في كلية الآداب، الذي يتخصص في الأدب الإنكليزي يعمل في الصيف ليدخر ثمن الكتب ومصروفه خلال العام الدراسي. ويعدّ ابن العشرين عاماً نفسه محظوظاً جداً لكونه يعمل مع والده في المطبعة التي يمتلكها هذا الأخير، وهو يمتهن هذه الحرفة كي يضمن عملاً بعد إنهاء دراسته الجامعية. فرامي يخاف أن يواجه مصير عدد كبير من الشباب الذين لا يجدون عملاً بعد تخرجهم من الجامعة كما يقول. ورغم أن والده يمتلك عمله الخاص إلّا أنه لا يستطيع تأمين كل مصروف رامي خلال العام بسبب مصاريف العائلة الكبير. وهذا ما يدفع رامي إلى مساعدته في المطبعة وقبض راتب في المقابل «أحسن ما اشتغل عند أحد غريب» كما يقول.
متجر الألبسة هو من بين الأمكنة القليلة التي تجدها الفتيات ملجأً لهن للعمل، فرلى مثلاً تعمل صيفاً في محل للألبسة لتؤمّن مصروفها الخاص، وتحتفظ الطالبة في السنة الثانية في كلية إدارة الأعمال بما يبقى لها من أموال وتدخرها لتسديد رسم تسجيلها في الجامعة عند بداية العام الدراسي الجديد. إذ إنّ عائلة رلى غير قادرة على توفير كل ما يلزم الفتاة من مستلزمات لدراستها نتيجة أوضاعهم المعيشية الصعبة. لا تمانع رلى في مساعدة والدها الذي يملك دكاناً صغيراً في القرية التي يعيشون فيها، «أنا مجبرة على العمل وعلى تحمل كل المتاعب والمصاعب كي أعيش وأتعلم».
وإلى جانب فئة الشباب المضطرة للعمل صيفاً، نجد بعضاً ممن يعملون رغم أوضاع أهلهم المادية الجيدة. ومن هؤلاء فادي. فابن العشرين عاماً طالب في السنة الثانية في كلية الهندسة ويتخصص في هندسة الاتصالات. وهو يعمل صيفاً في محل لبيع لوازم الكمبيوتر. ويضيف فادي ما يكسبه من عمله إلى مصروفه الشهري الذي يتقاضاه من والده. ويؤمّن له هذا الأخير رسم التسجيل في الجامعة وكل مصروفه خلال العام الدراسي.


عمل إختياري

تعمل فاطمة مكي، ابنة الثلاثة والعشرين عاماً مدرّسة للأطفال المقصّرين في دروسهم صيفاً، فتعطي لبعض الأطفال الذين يعيشون قريباً منها دروساً خصوصية. فاطمة طالبة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، وترى أن عملها هذا مريح جداً وغير متعب إلى جانب أنه لا يتطلب التنقل لمسافات بعيدة.
يساعد هذا العمل فاطمة على تمضية الوقت «لأنو ما في شي تاني أعملو». أما المال الذي تحصل عليه من عملها فتخصصه لشراء كل ما تحتاج إليه خلال بداية العام الجامعي من ملابس، وكتب وقرطاسية. وهكذا تساعد فاطمة والدها الذي يتكفل بدفع رسم تسجيلها في كليتها كل عام. «أرغب بمساعدة أهلي حتى لو كانوا قادرين على أن يدفعوا رسم التسجيل، مش غلط» تكرر فاطمة باستمرار.