القاهرة | «أكرم لبريطانيا أن تهزم في الحرب العالمية من أن يسجل التاريخ أنها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي». مقولة يذكرها التاريخ لرئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل. وربما تذكرها جيداً قضاة مصر الآن، الذين بدأ رئيسهم المنتخب محمد مرسي عهده معهم بإصدار قرار جمهوري يعطل تنفيذ حكم قضائي صادر عن المحكمة الدستورية العليا، أعلى محكمة في مصر. ومنذ قرار مرسي، يتصدر المشهد المصري الصراع بين السلطة التنفيذية ممثلةً بمرسي، والقضائية ممثلةً بالمحكمة الدستورية العليا، التي شاركها الغضب باقي الهيئات القضائية الأربع. القضاة ردوا على هجوم مرسي بهجوم مضاد، لوحوا خلاله باستخدام ما لديهم من سلطة تعادل سلطات الرئيس والبرلمان في إصدار أحكام قضائية توقف قرار مرسي وتجعله هو والعدم سواء. وحرصت المحكمة الدستورية العليا على إبراز موقفها الرافض لقرار مرسي، خلال بيان أصدرته أمس، ذكرت فيه أن أحكامها وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن وملزمة لجميع سلطات الدولة. وأكدت أنها «ليست طرفاً في أي صراع سياسي، ولا شأن لها بما تتخذه القوى السياسية من مواقف أو تتبناه من آراء، وإنما تظل تخوم نطاق مهمتها المقدسة هي حماية نصوص الدستور ودرء أي عدوان عليها أو انتهاك لها».
بيان الدستورية لم يكتف بإبراز رفضها لعودة البرلمان، بل كشف أن المحكمة تلقت أمس ثلاث دعاوى قضائية تطالبها بالاستمرار في تنفيذ حكمها بحل مجلس الشعب ووقف قرار مرسي بعودة البرلمان.
وحمل بيان الدستورية في مضمونه تأكيداً أن المحكمة بصدد إصدار حكم جديد بحلّ البرلمان اليوم. لكن الدستورية ليست الجهة الوحيدة التي من المقرر أن تصدر حكماً اليوم في ما يتعلق بقرار مرسي بعودة البرلمان من عدمه. فتلقت محكمة القضاء الإداري ما يقارب من 20 دعوى قضائية، تطالب بوقف تنفيذ قرار مرسي بعودة البرلمان، لتعارضه مع حكم المحكمة الدستورية العليا. وحددت المحكمة، موعداً اليوم، لحسم تلك الدعاوى، ليصبح مصير البرلمان من جديد في يد القضاء.
تطورات أسهمت في تأزيم الوضع المصري برمته من جديد؛ فعلى صعيد الوسط القضائي، القضاة مصرون على إلغاء قرار مرسي. وعودة البرلمان بالنسبة إليهم هو هدم لدولة القانون وانهيار كامل للدولة ولشرعية الرئيس.
أما بالنسبة إلى مرسي ومستشاريه وجماعة الإخوان المسلمين، التي تقف بجواره بكامل ثقلها، وبمليونية تتواكب مع الوقت الذي يصدر فيه القضاء كلمته، فإن الأمر لا رجوع عنه، ولا سيما أنه يصبّ في خانة تحقيق أهداف الثورة، حسب الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين محمود حسين.
ووفقاً لحسين، فإن «الجماعة تعلن مشاركتها رسمياً، في مليونية الثلاثاء للاحتفال بعودة البرلمان ورحيل العسكر رسمياً عن إدارة شؤون البلاد وتأييد الرئيس محمد مرسي ومساندته في قراراته المطالبة باستكمال أهداف الثورة وإسقاط الإعلان الدستوري المكمل». وأضاف: «الجماعة ستشارك فى المليونية استجابة للمطالب الشعبية، والقوى الثورية رغم أنه لا يوجد من القوى الثورية سوى حركة 6 أبريل التي أعلنت مشاركتها في مليونية اليوم».
هذا الصراع الإخواني القضائي، الذي خلّفه قرار مرسي، فسره المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، بأنه «إهدار للسلطة القضائية من شأنه إدخال مصر فى غيبوبة دستورية وصراع بين السلطات». أما رجال القانون، فانقسموا في ما بينهم. بعضهم أكد استحالة عودة مجلس الشعب الذي سبق وأكدت المحكمة الدستورية العليا بطلان تكوينه بكامله منذ انتخابه، وتوقعوا صدور عدة أحكام قضائية اليوم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مرسي واعتباره هو والعدم سواء. ووفقاً لتصريح نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، المستشار عبد الرحمن الجارحي، لـ«الأخبار»، هناك لزام على الهيئات القضائية «الدستورية العليا والقضاء الإداري»، بإصدار أحكام بوقف قرار مرسي والاستمرار في حل البرلمان، وإلا ترتب على ذلك عدم دستورية وحل مجلس الشعب المقبل. ولفت إلى أن أعضاء البرلمان سبق أن أكدوا أنه بمجرد عودة مجلس الشعب سيقومون بتعديل قانون انتخابات مجلس الشعب، الذي قضت الدستورية ببطلان نظامه الانتخابي، وهو ما يضمن الأغلبية البرلمانية لأعضاء الجماعة في البرلمان المقبل.
ورغم كل التداعيات التي من شأنها إلغاء قرار مرسي، إلا أن نواب البرلمان ولا سيما أعضاء الجماعة منهم، لم يعيروا لغضبة القضاة ولا للأحكام التي من المقرر صدورها اليوم أي اهتمام، بل بادر رئيس مجلس الشعب محمد سعد الكتاتني، إلى دعوة أعضاء البرلمان إلى جلسة عامة صباح اليوم، مؤكداً أن المجلس سيمارس اختصاصاته التشريعية والرقابية فور انعقاده خلال الساعات المقبلة، احتراماً للشرعية والدستور والقانون.
أما المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المتولي سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد وفق مواد الإعلان الدستوري المكمل، فعلق أمس على قرار الرئيس المصري محمد مرسي، بتأكيده «أهمية سيادة القانون والدستور».
وجاء في البيان أن المجلس العسكري «انحاز ولا يزال لإرادة الشعب»، مؤكداً «أهمية سيادة القانون والدستور حفاظاً على مكانة الدولة المصرية».
وقبل البيان، خرج مصدر عسكري ليؤكد أن المجلس لن يرد على قرار مرسي إلا بعد عقده اجتماعاً ثانياً لبحث الخطوة التي أقدم عليها مرسي، وهو ما فسره مراقبون بأنه تشديد على أن قرار مرسي غير موجه إلى المجلس العسكري، بل يأتي في إطار صفقة بينهما على حساب القضاة، الذين رفضوا أن يكونوا جسراً لإمرار صفقات الإخوان مع المجلس العسكري.