لا يمكن الجزم بأن انتخابات المصريين المقيمين في لبنان جرت بشكل طبيعي، أو على الأقل كما كان يطمح البعض، ذلك أن قسماً كبيراً منهم لم يستطع الاقتراع. أربعون ألف مصري مقيمون في لبنان لم يظهر منهم في اللوائح الانتخابية سوى 700. الهدوء حل مكان الازدحام على التصويت في السفارة المصرية في بيروت. يمضي وقت لا بأس به بين حضور أحدهم ومغادرة آخر كان قد أدلى بصوته لمصلحة واحد من المرشحين الثلاثة عشر للرئاسة في مصر. عدد الأشخاص المتوقع حضورهم للانتخابات استناداً إلى لوائح الشطب لم يستدع وجود أكثر من موظف واحد ليقوم بالتأكد من هوية المقترع وتسليمه لائحة بأسماء المرشحين.
مهلة التصويت التي تبدأ من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساءً وتستمر حتى يوم الخميس المقبل يبدو أنها ستحافظ على الوتيرة نفسها.
رغم اقتناع السفير المصري في لبنان، محمد توفيق، بأن الانتخابات تسير على ما يرام، وأن الاقبال كان مرتفعاً جداً ولا سيما من قبل فئة الشباب، إلا أن الكثير من المصريين أبدوا انزعاجهم مما سمّوه حرمانهم من حقهم في الاقتراع. فالعديد من الشبان المصريين لم يستطيعوا الإدلاء بأصواتهم، لأنه بحسب موظف السفارة، «لم يسجلوا أنهم مقيمون في لبنان كي ينتخبوا».
يقول أحمد بنبرة عصبية «أنا أتيت من مدينة طرابلس، رغم المشاكل الحاصلة فيها لأدلي بصوتي، لكني حرمت من هذه الفرصة»، شارحاً جهله بأنه كان عليه التسجيل في الموقع الإلكتروني المخصص للانتخابات والتصريح عن إقامته في لبنان.
يقول السفير المصري إن الدولة قامت بحملة إعلانية ضخمة لهذا الغرض، في وقت أكد فيه بعض من لم يقدروا على التصويت للأسباب المذكورة لـ«الأخبار»، أن قسماً كبيراً من المصريين هم من العمال البسيطين، فلا وقت لديهم لمشاهدة التلفاز، ولا يملكون معارف تكنولوجية تسمح لهم بالدخول إلى شبكة الإنترنت والتسجيل في الموقع المخصص للانتخابات. هكذا ضاع على الكثير من المصريين في لبنان فرصة التعبير عن خياراتهم وآمالهم، فلم يتمالك بعض هؤلاء أعصابهم، حتى أفصح أحدهم أن «نظام مبارك لسّا ماسك البلد، وهو اللي حرمنا من التصويت»، قبل أن يدخل آخر في نقاش مع موظف في السفارة مسؤول عن مراقبة عملية الاقتراع، مشيراً إلى أنه كان بإمكان السفارة الطلب إلى مديرية الأمن العام اللبناني الحصول على بيانات بأسماء كل المصريين المقيمين في لبنان، حتى يتمكن من لم يقم بالتسجيل من الاقتراع.
وعكست عملية تصويت المصريين آراء متناقضة، فيها خوف من الآتي ومحاولة للتخلص من الرموز القديمة التي حكمت البلاد لعقود، وكذلك حلم البعض ببناء مصر جديدة. أما بينهما، فقد فضل البعض البقاء جانباً لأن «لا أحد من المرشحين أهل ليصبح رئيساً لمصر» كما تقول إحدى السيدات، بعكس رفيقتها التي قررت التصويت للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، على اعتبار أن الأخير «رجل محترم وقوي وصاحب خبرة سياسية كبيرة»، رافضةً وضع كل من تسلّم مراكز عليا في نظام مبارك في خانة فلول النظام. وأضافت «أنا ارتقيت إلى مديرة قسم في جامعة القاهرة، فهل أعتبر من فلول النظام السابق؟».
خسارة البعض لإمكانية التصويت لم تمنعهم من الحديث عن المرشحين الذين كانوا يرغبون في انتخابهم. فمنهم من أراد انتخاب المرشح حمدين صبّاحي «لأنه يشعر بالفقراء» ومنهم من رأى في تولي رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق للرئاسة المصرية فرصة لقيادة مصر نحو التقدم. وكذلك بالنسبة الى عبد المنعم أبو الفتوح الذي فضله البعض لأنه خارج النظام السابق وخارج الإخوان المسلمين أيضاً.
«ما قدرتش انتخب، حموت لو الإخوان طلعوا للرئاسة» يقول أحدهم بحزنٍ شديد، قبل أن يواسيه صديقه قائلاً «ما انتخبناش في حياتنا ولا مرة، يعني حتوقف على المرة دي؟ يللا بينا ناخد سمك نوكّل العيال».