اختارت اسرائيل اعتماد التسريب المدروس لإيصال رسائلها الحادة والمباشرة حول قرارها بمنع سوريا من امتلاك صواريخ «اس 300»، بدلاً من المواقف العلنية، التي يمكن أن تُفسر على أنها تحدّ لموسكو، وبالتالي التسبب بأزمة تتجاوز الساحة السورية.
رغم ذلك، تبقى حقيقة أن التحدي الأكبر لقوة الردع الإسرائيلية والاختبار الأشد لقيادتها السياسية، يكمن في ما إذا كان هدف الرسائل النهائي، يقتصر على محاولة اقناع القيادة الروسية بالتراجع عن قرار تزويد سوريا بهذه الصواريخ، أم أنها ستنتقل إلى تنفيذ تهديداتها في حال أصرت روسيا على موقفها ووصلت الصواريخ إلى سوريا، مع ما ينطوي ذلك على امكانية التسبب بأزمة سيكون لها أبعادها ونتائجها الدولية.
بعدما طلب بنيامين نتنياهو من وزرائه التزام الصمت حول قضية الصواريخ، نقلت صحيفة «هآرتس» عنه قوله، في لقاءات مغلقة مع وزراء خارجيين أوروبيين زاروا تل أبيب في الأسابيع الأخيرة، إنّ إسرائيل «لا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي» في مقابل التحدي الجوهري الذي تشكله هذه الصواريخ. وأشار إلى أنّه في حال امتلكت سوريا هذه الصواريخ «وتحولت إلى عملانية، فإن كل المجال الجوي الإسرائيلي سيصبح منطقة حظر طيران». ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي، وآخر أوروبي، مطلعين على القضية، قولهما بأن نتنياهو لمّح في حديث مع وزراء الخارجية إلى أن محاولاته اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم تزويد سوريا بالصواريخ المتطورة، لم تثمر نتائج إيجابية.
تسريب هذه الرسائل تزامن مع مواقف أخرى دعا فيها نتنياهو، بمناسبة اختتام مناورات الجبهة الداخلية، إلى الاستعداد من الناحيتين الدفاعية والهجومية على حد سواء لمواجهة المخاطر التي تنطوي عليها الحرب في العصر الحديث. وأشار، أيضاً، إلى أنّ إسرائيل محاطة بعشرات آلاف الصواريخ التي تشكل تهديداً للجبهة الداخلية. في سياق قضية الصواريخ، نقلت «هآرتس» عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء احتياط يعقوب عميدرور، قوله أمام 27 سفيراً للاتحاد الاوروبي في إسرائيل، إن تسلم سوريا الصواريخ، هو خط أحمر. وبحسب دبلوماسيين أوروبيين، حضرا الاجتماع المغلق، شدد عميدرور على أن إسرائيل ستعمل «على منع صواريخ اس 300 من أن تصبح عملانية» على الأراضي السورية، وهو ما اعتبر تفسيراً لما قصده وزير الدفاع موشيه يعلون بالقول إن اسرائيل «ستعرف ما ستفعله». كما أكد أحد الدبلوماسيين بأن الحاضرين فهموا من عميدرور أن «الحكومة الإسرائيلية تعتقد أنه لن يكون ممكناً منع تزويد سوريا بالصواريخ، ولهذا فإنها ستعمل ضدها بعد تزويدها بها، ولكن قبل أن تتحول عملانية». كما رأى الدبلوماسيون الأوروبيون، وفقاً لما قدَّمه عميدرور، أنّ التقدير الاسرائيلي بأن روسيا ستزود، عاجلاً أم آجلاً، سوريا بمنظومة الصواريخ المتطورة لأسباب لا تتعلق على الاطلاق بإسرائيل بل بالخصومة بينها وبين الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، في الموضوع السوري.
لكن بالرغم من أن صحيفة «معاريف» نقلت عن عميدرور قوله في اللقاء نفسه، أن إسرائيل «ستعمل بكل قدرتها لمنع امتلاك سوريا صواريخ اس 300»، كان لافتاً ما نقلته عن دبلوماسيين أوروبيين قولهما بأنهما فهما من كلام عميدرور بأن «إسرائيل لا تنوي العمل عسكرياً من أجل تدمير الصواريخ». وأوضح هؤلاء أنهم يقدرون بأن الروس سيزودون سوريا بأجزاء من هذه المنظومة، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أنهم على استعداد لتفعيلها عسكرياً». وبالتالي، استناداً إلى فهم الدبلوماسيين، فإن عملية الاحباط الإسرائيلي، بالتعاون مع الإدارة الأميركية، ستتمّ عبر القنوات الدبلوماسية، من أجل اقناع الروس بعدم تزويد السوريين بالعناصر الحيوية والتدريب الملائم الذي يسمح لهذه المنظومة بالانتقال إلى المرحلة العملانية.
من جهته، أعلن وزير المياه والطاقة الاسرائيلي سيلفان شالوم، أن اسرائيل لا تريد التسبب بتصعيد عسكري مع سوريا، لكنها لن تسمح بنقل أسلحة استراتيجية لا سيما الى حزب الله.
وقال للإذاعة العامة «من غير الوارد التسبب بتصعيد وليس هناك من داع لإثارة توتر على الجبهة مع سوريا، هذا لم يكن هدفنا ولن يكون كذلك». وردّاً على سؤال حول تزويد أنظمة دفاعية من نوع «أس ـ300» لسوريا، حاول شالوم الطمأنة قائلاً «منذ سنوات، تملك سوريا أسلحة استراتيجية والمشكلة ستطرح اذا كان هناك خطر أن تقع هذه الاسلحة بين أيدي أطراف أخرى، وأن تستخدم ضدنا. وفي هذه الحالة سنتحرك».
بموازاة ذلك، تواصلت المساعي السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية لقطع الطريق على وصول صواريخ الدفاع الجوي المتطورة إلى سوريا. ضمن هذا الاطار، اجتمع وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية يوفال شطاينتس مع السفير الروسي في تل أبيب، سيرغي ياكوفليف، لمناقشة تداعيات تزويد موسكو لسوريا بصواريخ «أس 300»، والمخاوف من احتمال وصول مثل هذه الصواريخ إلى حزب الله. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية أن البحث تطرق، أيضاً، إلى القضايا الاستراتيجية المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط، كما تمّ الاتفاق على مواصلة الحوار والتعاون بشكل مستمر. ونقلت «هآرتس»، استناداً إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن وفداً استخبارياً إسرائيلياً زار موسكو يوم الثلاثاء الماضي لإجراء المزيد من المحادثات مع كبار مسؤولي الحكومة الروسية في هذا الشأن.