«اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». تلك القاعدة طُبِّقت بحذافيرها طوال العدوان الصهيوني على غزة المستمرّ منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لقد رأينا كيف أنّ كذبة الأربعين رضيعاً المقطوعي الرأس والنساء المغتصبات مهدّت لحرب الإبادة وبررت استهداف المستشفيات والمدارس وأماكن النزوح قبل أن يعرّيها الإعلام البديل ومنصّات التواصل الاجتماعي على رأسها تيك توك. وليس لبنان في منأى عن هذه الحرب الإعلامية، فمنذ مدة يكرّر الإعلام الإبراهيمي كالببغاء الأكاذيب الصهيونية ومعه الإعلام المحلّي، آخرها وجود صواريخ تابعة لـ «حزب الله» في مطار بيروت (الأخبار 25 حزيران/ يونيو 2024). وسط هذه الحرب الشعواء، كان لافتاً خروج بعض الناشطين الخليجيين الذين يعملون بطريقة عفوية على مواجهة الدعاية الصهيونية. هم ليسوا مرتبطين بأي جهة سياسية أو شخصية معروفة، إنّما يفعلون ذلك من باب تعلّقهم بلبنان الذي عاشوا فيه وخبروه وربما يعرفون أماكنه أكثر من اللبنانيين أنفسهم!
ورث لؤي الكيلاني حبَّ لبنان عن أهله وأجداده

«عاشق لبنان» هو اللقب الذي بات لصيقاً بالكويتي لؤي الكيلاني الذي يزور لبنان بشكل مستمرّ، وينشر على صفحات السوشال ميديا فيديواته حول المناطق التي يكتشفها. لم يغب الكيلاني يوماً عن بيروت، وكانت زياراته دائمة في عزّ مشكلات البلاد، بدءاً من الأزمة الاقتصادية وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان. لم تمنع الاضطرابات الأمنية والاقتصادية الكيلاني من قطع تذكرة من الكويت إلى بيروت على أول رحلة. هكذا، تحوّل إلى وجه إعلاني للترويج للسياحة اللبنانية، إلى درجة أنه يتلقّى تعليقات كثيرة على صفحته على إنستغرام تصفه بأنّه «لبناني أكتر من اللبنانيين»، على اعتبار أنه يروّج للجوانب الإيجابية في البلد ويقدّمه بأسلوبه القريب من القلب والكاريزما التي يملكها. يتحدّث الكيلاني بطلاقة أمام الكاميرا، محرّكاً الحنين في قلوب المغتربين الذين يتابعونه على حسابه. بدأت صفحة الكيلاني تتفاعل قبل انتشار فيروس كورونا. يومها، تمّ تفعيلها عبر فيديوات عفوية تروّج لجمال لبنان وشعبه المضياف.
لكن كيف بدأت علاقة المواطن الكويتي بلبنان؟ يجيب الكيلاني في حديث سريع معنا: «علاقتي بلبنان تعود إلى أكثر من أربعين عاماً. لقد تعلّمت حبّ البلد من أهلي وأجدادي الذين كان لبنان بالنسبة إليهم وجهتهم الوحيدة في الصيف للهروب من حرّ الكويت. كان أهلي يستقرّون في المناطق الجبلية، ولكنني اكتشفت كل نقطة في لبنان من الشمال إلى الجنوب والبقاع وبيروت. مع زياراتي المتكررة، اتضح لي أن الكويتيين هم أكثر الجنسيات العربية شراء للعقارات في لبنان، وهذا الأمر يثبت حقيقة العلاقة القوية بين البلدين».
يتوقف الكيلاني عند حملات التهويل الإعلامي على لبنان هذه المدة، قائلاً «لقد تمّ سحب الرعايا الكويتيين من لبنان بسبب الوضع الأمني. صحيح أن البلد يمرّ في أزمة كبيرة، لكن الوضع ليس بهذه الخطورة التي يصوّرها بعضهم في الإعلام. أنا متزوج من لبنانية، وهذا الأمر زاد من حبي للبلد. هناك غليان سياسي، ولكن من يزور البلد، يعرف أن الأمر ليس جديداً، وفي كل صيف تُبثّ الشائعات المغرضة لضرب موسم السياحة». لكن هل يتقصّد الكيلاني نشر الفيديوات عن لبنان لأهداف تجارية أو سياحية؟. يجيب: «ليست مهماتي الترويج للبنان ولا نشر إعلان عنه. بل أتمنى أن أوصل شعوري الصادق تجاه هذا البلد الجميل. حتى إن فيديواتي تركت أثراً لدى المغتربين الذين توقفوا عن زيارة بلدهم، وحرّكت حنينهم وحفّزتهم على زيارة بلدهم».
الحملات عفوية وغير مدعومة من أيّ جهة سياسية أو شخصية معروفة


لا يتعب الكيلاني من التحدث بإيجابية عن لبنان، حتى إن لهجته البيضاء تشوبها عبارات لبنانية. يقول «يستحق لبنان هذه المحبة. يتميز بفصوله الأربعة، وجباله الجميلة. إنه شعب مضياف وجبّار». لكن ماذا عن الدعاية المضادة التي يقودها الكيلاني ومجموعة من زملائه الكويتيين؟ يختصر الكيلاني الجواب، قائلاً «لبنان يستحق الأفضل من جميع العرب، يمرّ بظروف صعبة ويجب ألا نكون قاسين عليه. زرت مجموعة كبيرة من الدول حول العالم، ولم أجد مثل لبنان بكل مقاييسه. هو قطعة فنية وكلما اكتشفت فيه مناطق، كلّما تعمّقت أكثر. لا شيء يمنعني من زيارته، أتمنى له كل الخير. أتغزل بأحياء الأشرفية التراثية، وأصبت بصدمة إيجابية عندما زرت مناطق جنوب لبنان واكتشفت الطبيعة فيه. الله يكون في عون أهل الجنوب وتنتهي مأساتهم».
ليس لؤي الكيلاني الكويتي الوحيد الذي يقود هذه الدعاية الإيجابية للبنان، بل كذلك مواطنه ناصر الإبراهيم الذي كان من أوائل الذين نفوا الشائعات التي تحدّثت عن هروب اللبنانيين من «مطار بيروت الدولي»، ناشراً فيديو داخل المطار معلناً عن حركة طبيعية فيه، إلى جانب أسماء وشخصيات كويتية وإماراتية أخرى تفضّل التعبير عن حبها للبنان افتراضياً وعدم التحدث في الإعلام.