غزة | رغم انتهاء الحرب في غزة، أينما يذهب نظر أهلها وزائريها يكن الركام هو المرحب بهم. مئات الآلاف من أطنان مخلفات الحرب الإسرائيلية لا تزال تغلق شوارع بأكملها، ما يدفع الناس إلى ابتكار طرق التفافية عنها. وإن بدأ العمل في بعض المناطق بالإمكانات المتوافرة لإزالة هذا الركام، فإن تأخر خطط فعلية لإزالته يهدد الوضع البيئي والصحي للناس هنا، كذلك لا يزال بعض الناس يداومون كل يوم على البحث داخل هذا الركام من أجل إيجاد شيء بسيط من مقتنياتهم، وخاصة الأوراق الثبوتية.
الإحصاءات الأولية التي نشرتها وزارة الأشغال العامة أظهرت أن مخلفات الحرب تقدر بـ2.5 مليون طن من ركام المباني المهدمة، هي حصيلة 51 يوماً من الحرب، وهذا الرقم هو أربعة أضعاف الركام الناجم عن الحرب الأولى عام 2008 ـ 2009.
وتنتظر العائلات الغزية بصبر نافد إزالة أكوام الردم، بل ترى أنها دلالة على البدء الفعلي بالإعمار، وإلا فكل الوعود لذرّ الرماد في العيون. هذا ما يمكن تلمّسه في أحياء الشجاعية (شرق غزة) وبيت حانون (شمال) ومنطقة خزاعة (جنوب). وأظهرت الإحصاءات أيضاً أن عدد المنازل التي دُمِّرت كلياً وصل إلى نحو عشرة آلاف، فضلاً عن 30 ألفاً دُمِّرت جزئياً منها 5 آلاف بحاجة ماسّة إلى التأهيل، الأمر الذي نتج منه 11 ألف عائلة بلا مأوى، مع خسران مواردها الأساسية. الركام لردم أجزاء
من البحر وطحنه
لإعادة البناء

«الأخبار» تواصلت مع وكيل وزارة الإسكان في غزة، ناجي سرحان، للحديث عن مستقبل هذه الأطنان، ليوضح أن الحكومة، بالتعاون مع الجهات المتخصصة، وضعت خطة طارئة لمئة يوم من أجل علاج هذه المشكلة. وأشار إلى أن الخطة الطارئة تشمل إزالة جزء من ركام المنازل، بالإضافة إلى توفير إيجارات وشقق بديلة لأصحاب المنازل المدمرة، «أما بالنسبة إلى باقي العائلات، فجرى العمل على توفير كرافانات مؤقتة لإيوائهم».
بشأن الركام، من المقدَّر على المدى البعيد أن يطحن جزء منها لإعادة استخدامه في الإعمار والبناء، فيما تجري الاستفادة من البقية في صناعة «ألسنة بحرية» (طرق ترابية صغيرة في البحر) وتدعيم ميناء غزة الخاص بالصيادين، إضافة إلى بعض المناطق الساحلية المطلة على البحر مثل منطقة مخيم الشاطئ المتآكلة، وفق وكيل الوزارة.
وأكمل سرحان: «يمكن الاستفادة من أطنان الركام في أكثر من مجال، لكن الأهم أن إزالتها ونقلها وإعادة استخدامها يحتاج إلى تكاليف مالية باهظة لا نملكها في الوقت الحالي. كذلك إن بناء ميناء بحري أمر يحتاج إلى موافقة إسرائيل»، مشيراً إلى أنهم قبل الحرب بنوا لساناً بحرياً واحداً وتعرضوا إثر ذلك لتهديد مباشر من الاحتلال. رغم هذه الأفكار، فإن القلق الشعبي متواصل، وخاصة مع تواصل الآثار السلبية للركام. المواطن أبو علي دردونة أحد الذين فقدوا منازلهم خلال القصف، إضافة إلى دكان صغير كان يعتاش منه، وهو يشعر بالإحراج لأن ركام بيته يغلق الطريق حتى هذه اللحظة ويدفع من بقي من سكان المنطقة إلى أخذ طريق أخرى للوصول إلى بيوتهم. يقول أبو علي إن أحداً لم يأت لتفحص هذا الركام وهل يحتوي على مخلفات خطيرة أو لا، وهو أيضاً يخاف أن تكون إزالة الركام بطريقة سريعة تؤدي إلى خسارة ما بقي تحته من مقتنيات، ويخاف كذلك البحث عنها خوفاً من وجود صواريخ لم تنفجر.
الخبير الاقتصادي في غزة، معين رجب، يرى بدوره أنه يمكن التعاطي بإيجابية مع أطنان الركام الباقية والاستفادة منها، «لكن المعوّقات أكثر بكثير»، مقدراً أن هذه الكمية تحتاج إلى 60 ألف شاحنة لتعبئتها ونقلها على أقل تقدير. وشرح، خلال حديثه لـ«الأخبار»، أنه ستواجه العاملين صعوبة كبيرة في تحطيم بقايا الركام المتماسكة «لأنها تحتاج معدات ثقيلة، وخاصة تلك الأبراج المرتفعة كبرج الباشا والظافر والإيطالي».
من جهة أخرى، ينظر المحامي والناشط الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، صلاح عبد العاطي إلى أنّ من الممكن تحويل بعض معالم الدمار إلى شاهد على جرائم الاحتلال. وضرب عبد العاطي مثالاً على ذلك بالتجربة اللبنانية «عندما تُركت بعض مخلفات حرب لبنان الأهلية في مطلع التسعينيات لتكون شاهدة على الأحداث ثم أعيد إعمارها بعد زمن». واستدرك قوله لـ«الأخبار»: «المقصود الإبقاء على بعض الشواهد بطريقة لا تؤثر على السكان ومشروع إعادة الإعمار، وخاصة الأبراج الكبرى».