عينت الأمم المتحدة ماري ماكغوان ديفيس عضوا ثالثا في اللجنة الأممية المكلفة التحقيق في العمليات العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها قطاع غزة منذ تاريخ 13 حزيران الماضي. وماكغوان ديفيس، التي كانت تشغل منصب قاضية في المحكمة العليا لولاية نيويورك، ستنضم إلى عضوين آخرين هما رئيس اللجنة الكندي ويليام شاباس، والسنغالي دودو ديان، وفق ما أعلنه مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 11 آب الماضي. وجاء التعيين الأخير للقاضية بعدما اعتذرت أمل علم الدين، وهي محامية لبنانية الأصل وخطيبة الممثل جورج كلوني، عن عدم قبول المشاركة في اللجنة الأممية «لالتزامات خاصة»، علما بأن الأمم المتحدة كانت قد اختارتها لهذه المهمة بصفتها خبيرة في القانون الدولي وحقوق الإنسان.

وستعمل اللجنة على تسليط الضوء على الوقائع وحالات انتهاك حقوق الإنسان والجرائم المرتكبة، وذلك لكشف المسؤولين عنها، على أن تقدم تقريرا مكتوبا يُعرض أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جلسته الثامنة والعشرين، والمقرر انعقادها في آذار المقبل.
لن نخوض في ظروف تكوين اللجنة الأممية، ولا قدرتها على إنصاف ضحايا العدوان على غزة، ولا حتى في فرص تعاون إسرائيل معها وتسهيل مهمتها، كما لن نخوض في مصير التقرير الذي سيصدر: هل سيبقى حبيس الأدراج كسابقيه، أم سيحرك المياه الراكدة، وتلقى توصياته صدى ملموسا يردع الاحتلال، بعدما كشفت حرب غزة مزيدا من عوراته أمام الرأي العام العالمي؟
ما يستوقف هنا هو اعتذار المحامية علم الدين عن قبول المهمة. لن نطلق من التشكيك في صحة ما قالته خطيبة كلوني و«زوجة المستقبل» حينما قالت إن «التزاماتها» تمنعها من المشاركة في اللجنة الأممية بشأن جرائم الحرب في غزة.
مع ذلك، من حقنا أن نسأل: أليست غزة وما جرى فيها حالة تمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا قبل أن يكون مهنيا؟ ولا يبدو أن جورج كلوني كان سيعارض أن تكون خطيبته عضوا في هذه اللجنة بعد «جهوده المضنية» التي بذلها حين أقام الدنيا ولم يُقْعدها عام 2007 تنديدا بما كان يجري في إقليم دارفور في السودان.
وأيضا كيف جيّش الممثل الوسيم أميركا والكونغرس للضغط على الرئيس السوداني عمر حسن البشير بالطرق كافة، وهدده بفزاعة محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت قرارا بجلبه إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وأخرى ضد الإنسانية.
بهذا المنطق نجرؤ على التخمين أن المحامية اللبنانية الأصل، بقبولها المشاركة في لجنة التحقيق بشأن غزة، كانت ستلقى «تفهما» من كلوني «الناشط في التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، وخصوصا أنه رأى جهوده قد أتت ثمارها في هذا الملف.
ورغم الاعتراف بأن الضغط على الرئيس السوداني قد خفّ في السنوات الأخيرة بمجرد استكمال تقسيم السودان، لم يعد أحد يذكر شيئا اسمه دارفور، على الأقل في الوقت الراهن.
في لب القضية أننا ـ العرب ـ كثيرا ما نشتكي من قلة «العزوة والظهر» في المحافل الدولية، لقلة الذين يشغلون مناصب مهمة في المؤسسات الدولية حتى يدافعوا عن قضايانا وحقوقنا، كما نحاول دائما أن نبرّر عجزنا وظهورنا الباهت في كل محفل بأن «اللوبي اليهودي» في «الحكومة الفلانية والمنظمة العلانية» لم يترك لنا مكانا تحت الشمس وهو يقوض كل مساعينا في الحصول على حقوقنا.
أما حينما تسنح لنا الفرصة لأن نكون أعضاء في لجنة تحقيق في مجازر ارتكبت بحق شعب أعزل، فإننا نعتذر عن تحمل المسؤولية؟ قد يجادل أحد ويقول إن علم الدين بعيدة عما يجري في العالم العربي، لأنها تعيش خارجه وتربت بعيدة عنه، لكن، لماذا قبلت أن تشارك في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ ولماذا لم تعتذر عن أن تكون عضوا في وفد كوفي عنان أثناء مهمته في سوريا عام 2012؟ أم إن القضيتين، اغتيال الحريري والحرب السورية، تتعدّيان لبنان وسوريا وتخضعان لحسابات دولية أخرى؟
هناك سؤال آخر: هل الاعتذار سببه خوف المحامية من رد فعل زملاء خطيبها في المهنة، أي نجوم هوليوود الذين نعرف التوجهات والأهواء السياسية لمعظمهم، برغم أن فيهم من ينتصر للحق مهما كلفه ذلك. أكبر دليل على ذلك الممثلة الإسبانية، بينيلوب كروث، وموقفها المشرف من العدوان على غزة.
هللنا كثيرا للعربية التي ستصبح زوجة جورج كلوني وازدحمت صفحات الصحف حينما أعلن خبر الارتباط، ونقلت أدق التفاصيل عن الخطيبين وترتيبات العرس، وكيف أن «عربية» خطفت قلب الممثل الوسيم بعد 15 امرأة دخلن حياته قبلها. في تلك اللحظة كان الحديث عن هذه العلاقة كأننا غزونا الفضاء، أو اخترعنا شيئا مفيدا للإنسانية ينسي العالم تهم قطع الرؤوس والعنف والكره التي تلازمنا كظلنا.
ستتزوج علم الدين في لبنان، وبالتحديد في ضيافة وليد جنبلاط، وسينسى الجميع هذا «التفصيل الصغير»، وهو اعتذارها عن عدم قبول المشاركة في لجنة قد تنصف شعبا مجوّعا مظلوما على مدى عشرات السنين، كما لن يذكروا إلا فستان العرس وأسماء المدعوين ووجهة العروسين لقضاء شهر العسل، فالناس مقامات!