القاهرة | على عكس سياساتها السابقة القائمة على الدعم اللامحدود وغير المشروط للنظام المصري، تقف دول الخليج، اليوم، شبه موحَّدة في مطالَبة القاهرة بتنفيذ التعهّدات التي سبق أن وافقت عليها في مقابل ضخّ استثمارات في المشاريع المختلفة التي تملكها الدولة المصرية، سواء الحكومة أو الجيش، ولكن وفق قواعد وشروط تناسب المستثمرين الخليجيين الذين يرفضون المغامرة بأموالهم بناءً على وعود لم تتحقّق إلى الآن. وعلى رغم أن الشريحة الثانية من قرض «صندوق النقد الدولي» كان يُفترَض أن تُصرَف الشهر الماضي، إلّا أن نتائج المفاوضات بشأنها بين الحكومة المصرية وبعثة الصندوق لم تُعلَن، فيما أرجأت الأخيرة زيارتها ترقّباً لأداء الأولى، التي لم تَعُد لديها القدرة على تنفيذ ما يطلبه «النقد الدولي»، ولا سيما لجهة تحرير أسعار المحروقات بشكل شبه كامل، والذي سيكون من شأنه مضاعفة أسعارها مرّةً على الأقلّ، بالنظر إلى التخفيض الجديد المتوقَّع في قيمة الجنيه.
تضغط دول الخليج على مصر، عبر «النقد الدولي»، من أجل الإسراع في إجراء تخفيض رابع لقيمة الجنيه (أ ف ب)

هكذا، يبدو أن جميع ما به وعدت الحكومة المصرية قُبيل توقيع الاتفاق مع الصندوق، قد عدلت عنه، لتعود أزمة تكدّس البضائع مجدّداً، ويتكرّر فرض القيود على الاستيراد وإنّما بصورة أخرى، فيما العملة الصعبة لم تَعُد متوافرة في البنوك، والفارق بين السعر الرسمي للجنيه وسعره في السوق السوداء أكبر من 20%، على رغم تعهّد السلطات بالقضاء على السوق السوداء. وتضغط دول الخليج على مصر، عبر «النقد الدولي»، من أجل الإسراع في إجراء تخفيض رابع لقيمة الجنيه، مع وصوله إلى حاجز 41 جنيهاً أمام الدولار في العقود الآجلة لمدّة عام، وسط تحذيرات من سيناريو اقتصادي قاتم ينبئ به تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومحدودية التمويل من الأسواق الدولية، في وقت بات فيه أكثر من 70% من الموازنة العامّة للدولة، مخصَّصاً لسداد الديون وفوائدها. وفي ظلّ وصول التضخّم إلى أعلى مستوًى له منذ 6 سنوات، تشير التوقّعات إلى أن العجز في الاحتياطي النقدي سينخفض خلال أقلّ من عامين إلى 13 مليار دولار فقط، بعدما سجّل أكثر من 33 ملياراً بحسب آخر بيان للبنك المركزي، الذي يتّجه إلى رفع جديد للفائدة في اجتماعه المقبل.
وفي ظلّ هذه الأوضاع، بدأ مسؤولو «النقد الدولي» وعدد من المسؤولين الخليجيين، حثّ السلطات المصرية على استبدال المسؤولين عن السياسات الاقتصادية بشكل سريع، وإحلال آخرين مكانهم يكونون قادرين على تنفيذ جميع التعهّدات السابقة في ما يتعلّق بفتح الباب أمام عمليات الاستحواذ وشراء الشركات الحكومية وحتى الشراكات. على أن هذه المطالب التي أُبلغت للمصريين بشكل رسمي، لم تلقَ استجابة بعد، وخاصة أن من ضمن المطلوب إقالتهم القائم بأعمال محافظ البنك المركزي، حسن عبدالله، الذي عُيّن الصيف الماضي، وتنتهي فترة تعيينه في آب المقبل.
تبدو خيارات الحكومة المصرية شديدة الضيق، في وقت يزداد فيه الوضع الاقتصادي سوءاً


وكشفت مفاوضات الأيام الماضية وجود اختلالات جوهرية في آليات العمل المرتبطة بتقييم الأسعار؛ إذ على رغم محاولة الحكومة المصرية تقديم حلّ وسط يعتمد على تنفيذ عمليات التقييم بالدولار أو الجنيه، بعدما رفض المستثمرون الخليجيون الدخول إلى السوق المصري بناءً على سعر صرف غير عادل، فإن المفاوضات الخاصة بكلّ شركة وبنك تعتريها الكثير من المشكلات والعقبات، وخاصة في حالة الشركات المملوكة للجيش. وبينما وافقت مصر على طرح الشركات الخاصة بالجيش أمام المستثمرين، سواء عبر استحواذ مستثمر رئيس أو عبر طروحات في البورصة المصرية، فإن ما حدث أن بعض هذه الشركات جرى إفراغها من عناصر قوّتها، وتقييمها بسعر أعلى، واشتراط أن يجري الاستحواذ على حصّة أقلّية فيها وبشراكة مباشرة مع الجيش، وهو ما قوبل برفض خليجي. وعلى رغم التباين الإماراتي - السعودي، إلّا أن الرياض وأبو ظبي متّفقتان على عدم قبول ما تعتبرانه محاولات مصرية لفرض أمر واقع، ولا سيما في ما يتعلّق بالشركات الأقلّ ربحية التي ترغب الحكومة في تسويقها وبيعها بأعلى من قيمتها. كما ثمّة توافق خليجي على عدم تقديم أيّ مِنح لا تُردّ.
وما بين مطالب الداعمين، والغليان المتزايد في الشارع في ظلّ توقّع ارتفاع جديد في الأسعار في حال الالتزام بشروط «النقد الدولي»، تبدو خيارات الحكومة المصرية شديدة الضيق، في وقت يزداد فيه الوضع الاقتصادي سوءاً.