عمّان | لم تكن مصادفة أن يحمل اللقاء الأول على أجندة الملك الأردني، عبدالله الثاني، في الولايات المتحدة، صبغة عسكرية، في ظلّ الحديث المتجدّد عن عودة تنظيم «داعش» ودور الأردن المحوري في «الحرب على الإرهاب»، خصوصاً مع إعادة القوات الأميركية تموضعها في هذا البلد، عقب توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين واشنطن وعمّان بداية 2021. وإذ يَعتقد النظام الأردني أن مدخل الحوار الاستراتيجي والطويل المدى مع الإدارة الأميركية يمرّ بالضرورة من القناة العسكرية، فقد بدا ذلك واضحاً في المقابلة التي أجراها عبدالله مع مستشار الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترامب، هربرت مكماستر، في إحدى الجلسات الحوارية المنظَّمة من قِبَل «معهد هوفر» في جامعة ستانفورد الأميركية، حيث فصل الملك ما بين الشأنين العسكري والسياسي في العلاقة مع الحليف الأميركي. ركّز عبدالله في اللقاء على دور «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن لمحاربة «داعش»، مشدّداً على ضرورة ملاحقة التنظيم في أفريقيا التي شكّلت محور نقاش الجولة الخامسة لمبادرة ما يسمّى «اجتماعات العقبة» لهذا العام، والتي أطلقها الملك في عام 2015، بهدف «تعزيز التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب، ضمن نهج شمولي، يتضمّن الأبعاد العسكرية والأمنية والفكرية». أمّا النقطة الأهمّ في المقابلة فتمثّلت في الحديث عن ثنائيّة روسيا وإيران، وسط تلميح إلى حالة الاستقطاب الكبيرة في المنطقة، والانزياح الجاري نحو الشرق بعيداً عن واشنطن. وعلى رغم أن عبدالله بدأ حديثه بتناول الانفتاح السعودي - الإيراني، إلّا أنه أشار إلى أنه لا يرى نتائج ملموسة على أرض الواقع، واعتبر وجود إيران في الجنوب السوري «تحدّياً أمنياً منتظماً». وفي حديث «لن يعجب الكثير من الناس» بحسبه، لفت إلى أن للأردن حساباته الخاصة مع روسيا في ظلّ توافق واشنطن وموسكو وعمّان على خفض التصعيد على الساحة السورية، حيث حاول منح موسكو نقاطاً تفضيلية، ولم يخفِ رهانه عليها، إضافة إلى تل أبيب، لكبح جماح طهران في جنوب سوريا.
يريد الأردن استمرار الحضور والرعاية الأميركيَّيْن ويتعهّد في المقابل بالبقاء حارساً مخلصاً لمصالح واشنطن


علاوة على ذلك، يبدو النظام في الأردن أكثر ارتياحاً للموقف الروسي في الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي، ولا سيما أن موسكو عضو في «اللجنة الرباعية لمحادثات السلام» القائمة على «حلّ الدولتين»، ووقفت إلى جانب عمّان في أيام ترامب العجاف التي مرّت على المملكة، وهو ما ظهر واضحاً في حديث عبدالله. ولم يغفل الملك أيضاً، تناول العلاقات التجارية المتسارعة في الإقليم مع روسيا والصين، لافتاً إلى أن قادة دول المنطقة شعروا بأن واشنطن أدارت لهم ظهرها. هنا، ربط مكماستر كلام عبدالله بالسعودية والإمارات على وجه التحديد، ليَظهر الأخير كمَن يبرّر نيابة عن أبو ظبي موقفها نحو الروس، إذ قال إنها شاركت إلى جانب واشنطن في 6 حملات عسكرية، وعلى وجه التحديد في أفغانستان، «وإن ابتعدت عن واشنطن قليلاً، فإن التحالف العسكري مع الغرب يعود إلى زمن طويل»، مضيفاً أن «تاريخ العلاقات مع أوروبا وأميركا أقدم وأعمق ممّا هو مع روسيا».
بناءً على ما تَقدّم، تبدو مقابلة عبدالله أقرب إلى نداء مُوجّه إلى واشنطن لإعادة لفْت انتباهها إلى ما يجري في الشرق الأوسط، على رغم وصْفه الاتّكال على الولايات المتحدة بأنه «كسل»، وحديثه عن أن الدول العربية الآن لديها رؤية خاصة في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، في ما يؤشّر إلى أن الفراغ الذي أحدثه غياب إدارة جو بايدن بعد فوضى عهد ترامب في المنطقة، أعطى المجال لتحرّكات إقليمية ليس في الخليج فقط، بل وأيضاً في مصر والعراق اللذين تسعى عمّان منذ أكثر من عام لإقامة تحالف معهما تحت مسمى «الشام الجديد». السؤال المركزي الآن، إذا ما استمرّ الغياب الأميركي، وتحقَّق الفراغ الروسي جنوبيّ سوريا وفق ما حذّر منه عبدالله، وفي الوقت ذاته تفاقَم توتر العلاقات الأردنية - الإسرائيلية حول ديمومة الوصاية الهاشمية، هو: هل سيصل الأردن إلى تفاهمات مع «اللاعبين الإيرانيين الجدد» على حدوده، برعاية خليجية محدودة، أم سيسعى لفتح جبهة حرب مباشرة معهم لم تَخبرها عمّان منذ 1968، في منطقة الهدوء الوحيدة في إقليم مشتعل، وهي المنطقة التي لاذت القوات الأميركية إليها بعيداً عن ساحات القتال النشطة؟
أياً كان الجواب، فإن الأردن يريد رعاية أميركية مباشرة، معنوياً ومادّياً، بتجديد «اتفاقية الدعم الخمسية»، إضافة إلى ضمانات بديمومة العرش الهاشمي ووصايته على المسجد الأقصى. وفي المقابل، تتعهّد عمّان بالبقاء الحارس المخلص للمصالح الأميركية، والتحرك مدنياً وعسكرياً تحت لواء واشنطن أو «حلف شمال الأطلسي» أو أيّ تشكيل آخر لـ«محاربة الإرهاب».