تونس | قرّر رئيس حزب «النهضة»، ورئيس البرلمان المُجمَّد، راشد الغنوشي، استخدام ورقته الأخيرة، وهي عقْد جلسة عامّة عن بُعد للبرلمان، بهدف عزل الرئيس قيس سعيد من منصبه. وأعلن الغنوشي، في بيان، أن مكتب البرلمان استجاب لطلب ثلاثين نائباً عقْد جلسة عامة لإبطال الإجراءات الاستثنائية التي اتّخذها سعيد، مبيّناً أن الجلسة ستَجري اليوم، على أن تعقبها أخرى في الثاني من نيسان، متعلّقة بالنظر في الوضع الخطير للبلاد. وبذلك، تنتقل اللعبة السياسية إلى مستوى أكثر تقدّماً من تكسير العظام، خصوصاً أن المتوقّع من الجلسة، بحسب خبراء القانون، تجاوز إبطال الإجراءات إلى الإقرار بارتكاب سعيد خرقاً جسيماً للدستور، ومباشرة إجراءات عزله الدستورية، بالاستفادة من أن الرئيس لم يعلّق العمل بالنصّ الدستوري بأكمله، وترك الباب موارباً لهكذا حركة، في إطار تدعيم ادّعاءاته بأنه لا يخشى المحاسبة، ولا ينوي الاستحواذ على كلّ السلطات. إلّا أن الخبراء أنفسهم يقرّون بأن لا قيمة قانونية لما سيتّخذه البرلمان من قرارات، بالنظر إلى وجود نصّ سابق بتجميد أعماله، كما يؤكّدون أن وضع سعيد البلاد تحت حالة الطوارئ، واعتماده الفصل الثمانين من الدستور المتعلّق بالخطر الداهم، يُبقيان مراسيمه ذات قيمة قانونية أدنى من الدستور، وأعلى ممّا يمكن أن تتّخذه أيّ سلطة أخرى من إجراءات. وعلى رغم أن الغنوشي يدرك جيّداً هذا الواقع، وأن مؤسّسات الدولة هي عملياً في صفّ سعيد، إلّا أنه يصرّ على المُضيّ في خياراته، انطلاقاً من رهانات متعدّدة، لعلّ أبرزها استحضار السيناريو الليبي من حيث تقسيم السلطة، وإعلان وجود سلطتَين متنازعتَين في البلاد تتشبّث كلّ منهما بشرعيّتها. ويراهن زعيم «النهضة» في ذلك على أن سنوات التغلغل في الدولة قد تُؤتي أكلها بحدوث انقسامات داخل مؤسّسات حيوية كالأمن والجيش والقضاء. ومن هنا، يصف سياسيون تونسيون، من خارج كوكبة «مواطنون ضدّ الانقلاب» التي تضمّ «النهضة» ومكوّنات ائتلافها الحاكم سابقاً، ما ينويه الغنوشي بـ«الجريمة النكراء التي قد تفوق أخطاء سعيد جسامةً»، وتقدّم له خصومه على طبق من ذهب، عبر «تبديل هيئة الدولة، والتحريض على العصيان، وحثّ المواطنين على الاقتتال في ما بينهم»، وهو ما يُرجَّح أن يستغلّه الرئيس للتخلّص من خصومه دفعة واحدة. وفي هذا الإطار، يرى الأمين العام لحزب «حركة الشعب»، أن خطّة الغنوشي «قد تُفتّت الدولة وتقودها نحو التناحر الداخلي»، معتبراً أن على سعيّد «التعجيل في الذهاب نحو الاستحقاقات الانتخابية المبكرة درءاً لهكذا سيناريوات». ويشاطره في موقفه حزب «التحالف من أجل تونس»، الذي يعتقد أن جلسة البرلمان تشكّل «دعوة صريحة إلى التمرّد والعصيان، وقد تنزلق الأمور بعدها إلى التقاتل» الداخلي.
ترى «النهضة» وبقيّة أركان ائتلافها السابق، خطوة تفعيل البرلمان منطقية بعد انسداد أفق الحوار مع سعيد


في المقابل، ترى «النهضة» وبقيّة أركان ائتلافها الحاكم السابق، هذه الخطوة منطقية بعد انسداد أفق الحوار مع سعيد، واستحواذه على السلطات. ويَعتبر القيادي في الحركة، عبد اللطيف المكي، أن البرلمان له مطلق الحق في استئناف أعماله، داعياً «كلّ جهة معنيّة إلى إنجاح الجلسة» في سبيل استعادة الحياة الدستورية وإطلاق حوار وطني عميق. وحتى إن خسرت «النهضة» رهانها على قيام «حرب شرعيّات» في البلاد، فإن لَعِبها هذه الورقة من شأنه توليد ضغط للتعجيل في انتخابات تشريعية تُجرى خلال أسابيع قليلة، بشكل لا يسمح بمراجعة القانون الانتخابي أو ترميم هيئة الانتخابات ومحاسبة المتورّطين فيها مع أحزاب سياسية، وبذلك تعود الطبقة السياسية نفسها إلى الحُكم مجدّداً، وتستعيد امتيازاتها وحصانتها التي فقدتها. بالتوازي مع ذلك، تستمرّ «النهضة» في محاولاتها استدراج دعم خارجي لخطواتها، وفي هذا السياق جاء تكثيفها لقاءاتها مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي المكلّفة بشؤون الأمن المدني والديمقراطية، أوزرا زيا، التي زارت تونس خلال اليومين الماضيين، إلّا أن البيان الصادر عن السفارة الأميركية إثر الزيارة جاء دون الآمال، إذ تحدّث عن «التزام الولايات المتحدة بدعم المؤسّسات لكي تقوم بدورها المنصوص عليه دستورياً في إجراء عملية الاستفتاء والانتخابات البرلمانية المقبلة»، في ما فُهم على أنه دعم لسعيد يعزوه البعض إلى موقف تونس من الأزمة الروسية - الأوكرانية، وتصويتها لصالح إدانة موسكو في الأمم المتحدة.
على الضفة الأخرى، جاء ردّ سعيد متضمّناً أكثر من رسالة؛ إذ فضّل الإجابة على دعوة الغنوشي من مجلس الأمن القومي، متوسّطاً رئيس أركان الجيوش الثلاثة ووزيرَي دفاعه وداخليته والمدير العام للاستخبارات والأمن الوطني، في محاولة لتظهير وقوف هذه المؤسّسات في صفّ القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية. أمّا في المضمون، فتَحصّن سعيد بالقوانين السارية، وحذّر مَن سمّاهم «الانقلابيين» من أيّ خطوة تمسّ أمن التونسيين، تحت طائلة المحاسبة، جازماً أن الدولة موحّدة، ولا يمكن المراهنة على تقسيمها. كذلك، تحدّث سعيد عن الاستشارة الوطنية التي انتهت منتصف هذا الشهر، مقرّاً بشكل مبطن بأنها لم تكن فكرة سديدة، بعدما ظهر هُزال المشاركة الشعبية فيها.