ثمّة فرق كبير جدّاً، بين أن تسعى إسرائيل لتثمير علاقاتها مع الإمارات (وأنظمة الخليج عموماً)، كي تُحقّق عبرها سلّة من المصالح في صراعها مع أعدائها؛ وبين أن تَستخدم إمكاناتها للمحافظة على هذه العلاقة لذاتها. وإذ يبدو أن كلا الهدفَين، اللذين قد لا يكونان متناقضَين، يتجاذبان تل أبيب، فالأكيد أن التطوّرات الأخيرة في المنطقة، وخصوصاً منها الاستهداف اليمني للإمارات، تجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق النتائج التي كانت تأملها من أحلافها الجديدة في الخليج. لا يعني ذلك أن تل أبيب ستتخلّى عن نفْس العلاقة مع هؤلاء، بل جلّ ما تعمل عليه اليوم هو منْع أبو ظبي من اتّخاذ قرارات «متطرّفة»، وإن كانت ستتفهّم أيّ إجراء تُقْدم عليه الأخيرة، من أجل إبعاد نفسها عن المواجهة المباشرة مع إيران وحلفائها. ولعلّ هذا المسعى يمثّل واحداً من أهداف زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، ذي الصلاحيات المحدودة والفخرية، للإمارات، في محاولة لإيصال رسالة بأن إسرائيل مصرّة على بقاء العلاقة، وإن كانت عوائد استثمارها محدودة، قياساً إلى ما كان يُراد أن تؤسِّس له. في المقابل، يسعى حكّام الإمارات إلى تعويض الانكفاء النسبي عن أهمّ ما كان يُراد للعلاقة مع إسرائيل أن تُحقّقه، وهو العمل ضدّ إيران، عبر تظهير الشكليات وتضخيم مفعولها في الوعي العام، الأمر الذي ينطبق على زيارة هرتسوغ، التي وصفتها تل أبيب بـ«التاريخية»، والهادفة إلى التضامن مع أبو ظبي في مواجهة «الهجمات الحوثية»، وكذلك على «الإطراء» المُفرط من قِبَل الرئيس الإسرائيلي على وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والذي جاء فيه: «قائد جريء وقائد مذهل، قضيْت معه بضع ساعات اليوم، واستمددْت منه الكثير من الإلهام». والأمر نفسه ينسحب على تأكيد ابن زايد، عبر تعبيرات مشابهة، أن العلاقة ما زالت «سليمة»، ولم تتضرّر جرّاء المتغيّرات الإقليمية، وحرصه على إظهار الحفاوة الزائدة التي عدّها هرتسوغ دليلاً على «دفء العلاقات»، بينما لفت نظرَ المراسلين الإسرائيليين أن «النشيد الوطني» الإسرائيلي عُزف في قصر حاكم الإمارات، و«هو أمر مؤثّر جدّاً، ويُظهر كم أن الإماراتيين سعيدون بأنّنا أصدقاؤهم الجدد».
يسعى حكّام الإمارات إلى تعويض الانكفاء النسبي عن أهمّ ما كان يُراد للعلاقة مع إسرائيل أن تُحقّقه


وبينما يُنتظَر اتّضاح التموضعَين العمليَّين الإسرائيلي والأميركي تجاه الهجمات اليمنية، لا تَفصل القراءة الإسرائيلية بين زيارة هرتسوغ والهجوم اليمني الثالث على أبو ظبي ودبي، والذي جرى توقيته - على ما يبدو - ليتزامن مع الزيارة. وكما يَرِد في التعبيرات العبرية، فإن الضربة تستهدف العلاقة الإسرائيلية مع الإمارات، حتى في مستوياتها الدنيا، وهو ما يفسّر حرص اليمنيين على «إقحام» إسرائيل في بياناتهم العسكرية. ومن جهة أبو ظبي، فهي اليوم أمام خيارَين لا ثالث لهما، إمّا الانكفاء أو الاندفاع، الأمر الذي ستحدّده عدّة عوامل يمكن إجمالها بالآتي: هل يملك حكّام الإمارات شجاعة اتّخاذ موقف معادٍ ومباشر ضدّ إيران وحلفائها في الإقليم؟ وهل يتحمّلون تداعيات موقف كهذا؟ هل تنوي الولايات المتحدة الاكتفاء بشجْبها الهجمات اليمنية، من دون بذل جهود حقيقية للدفاع عن الإمارات؟ هل تسير إسرائيل خلْف أميركا وتنكفئ عن مساعدة أبو ظبي؟ هل يُعقل أن يراهن الإماراتيون على انكفاء يمني عنهم، ما لم ينكفئوا بدورهم عن الانخراط في الحرب على اليمن؟ وهل يُعقل أن يراهنوا أيضاً على الاصطفاف إلى جانب تل أبيب بالكيفية التي تريدها الأخيرة منهم، من دون تَوقُّع ردّات فعل كارثية من الطرف الآخر؟
أيّاً يكن، تثير الهجمات اليمنية على الإمارات قلق إسرائيل، ليس من تداعياتها على الحليف الجديد فقط، بل أيضاً ممّا أظهرته من إمكانات يمكن أن تطاول المصالح الإسرائيلية نفسها، إذ لم يَعُد التهديد نظرياً وتقديرياً فحسب، إنّما بات ملموساً، ليُضحي السؤال اليوم «ليس إن كان الهجوم الحوثي سيستهدف إسرائيل، بل متى وكيف سيستهدفها؟». وفقاً لمجلة «معرخوت» الصادرة عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، «الواضح أن الهجوم الأخير على الإمارات، بوجود الرئيس الإسرائيلي فيها، هو رسالة إلى إسرائيل نفسها ضدّ اتفاقيات آبراهام... وإذا كان أنصار الله اكتفوا حتى الآن بتهديد إسرائيل، فإن استهدافها بات مسألة وقت». وتضيف «معرخوت» أن «على إسرائيل أن تستعدّ عسكرياً ودفاعياً لسيناريو هجوم ضدّها، شبيه بهجمات طاولت شركة أرامكو في السعودية عام 2019، وكذلك الهجمات الأخيرة على البنية التحتية للنفط في الإمارات».
وعلى هذه الخلفية أيضاً، يجب على تل أبيب، بحسب المجلّة العسكرية، أن تعمل مع أبو ظبي وغيرها في الخليج، بدعم من الأميركيين ورعايتهم، وفي إطار مجلس الأمن الدولي، على «إنشاء قوة بحرية لمكافحة القرصنة والأعمال الإرهابية وتهريب السلاح إلى اليمن والبحر الأحمر»، في ما يُظهر قصور اليد الإسرائيلية - الخليجية عن المواجهة، علماً أن هذه «النصيحة» تأتي في إطار أهمّ إصدار بحثي عن المؤسّسة الأمنية. في الوقت نفسه، تطالب «معرخوت»، إسرائيل، بأن تحثّ الولايات المتحدة على تزويد الإمارات بالسلاح الذي يخوّلها تقليص الفجوة في القوّة العسكرية بينها وبين إيران، الأمر الذي يعني «تغييراً في ميزان القوى لمصلحة المحور المعادي لإيران». وفي تلك النصيحة الثانية، إقرار إسرائيلي إضافي بقصور يد المحور المذكور، والذي تؤكّد إسرائيل أنها جزء لا يتجزّأ منه.



غانتس: سنساعد... إن كنّا قادرين
لا تزال مسألة تقديم «المساعدة» الأمنية والعسكرية للإمارات، في وجه الهجمات اليمنية عليها، مدار أخذ وردّ في إسرائيل، ليس في ما يتعلّق بكيفية المساعدة فقط، بل بإمكاناتها أيضاً. وفي هذا الإطار، قال وزير الأمن، بني غانتس، خلال حديث مع موقع «واللا» العبري، إنّه سيكون «مسروراً جداً، إن ساعدنا كلّ من هو صديق لنا». لكنّه اشترط في الحالة الإماراتية، بناءً على سؤال مراسلة الموقع بشأن التعاون في مجال الدفاع الجوي مع أبو ظبي على خلفية الهجمات الأخيرة عليها، أن تكون المساعدة «في حال كنّا قادرين على ذلك، وكذلك إن كان الإماراتيون يريدون».
(الأخبار)