لم يستطع الحزب، خلال سنيّ حكمه، تحقيق أيّ إصلاحات جذرية أو خلخلة منظومات الفساد المعشعشة في الإدارة، فيما تتّهمه شرائح من موظفي القطاع الحكومي، «العدالة والتنمية»، بإساءة التصرّف، نظراً إلى الإجراءات التي أقدم عليها، ومنها رفع الدعم عن المحروقات، ورفع سنّ التقاعد، وإقرار نظام للتعاقد مع المدرسين، بدلاً من إدماجهم في الوظيفة الحكومية، ما انعكس على أجور الموظفين وتقاعدهم وقدرتهم الشرائية، بل حتى استقرارهم الوظيفي. لذا، لم يَعُد الخطاب الدّعوي الذي يلعب على العواطف والمشاعر وحده ينفع في اجتذاب الناس نحو «الإخوان»، كما لم يَعُد الانطلاق من أسسٍ دينيّة وإعطاء صبغة إسلامية صالحاً لإقناع الناس بأن الجماعة أقرب إلى الصّواب أو أقدر على إدارة البلاد، فالمواطن يريد أن يأكل ويشرب ويجد وظيفة ويعيش حياة كريمة، ولن يقوم بأيّ شكل من الأشكال بانتخاب مَن لا يحقّق له مطالبه مرة أخرى. وهذا المواطن نفسه يقول اليوم للجماعة من خلال التصويت: نحن وثقنا بكم وأعطيناكم أصواتنا وأنتم لم تحقّقوا ما هو مطلوب منكم.
التقهقر «الإخواني» الكبير ليس حالة عابرة وإنما أصبح مساراً واضحاً ومستمراً
ما يمكن أن يكون لمصلحة «العدالة والتنمية» في الدرس المغربي القاسي، هو قبوله بلعبة الصناديق، وتقبّل الخسارة والعودة إلى مقاعد المعارضة التي جاء منها، بلا حروب ولا دماء ولا انقلابات. ولن ينفعه القول إن الملك هو المسيطر على القرار، ما دام الحزب قد قبل بأن يكون جزءاً من المشهد. فهو وحده من يتحمّل اللّوم، وإلَا فلْيبقَ خارج العمليّة السياسية ويكتفِ بالعمل الدّعوي، مثل جماعة «العدل والإحسان» التي لم تقبل بالمشاركة في العمل السياسي لأنها تعتبر أن المنظومة كلّها فاسدة. في لغة الأرقام، خسر الحزب ما يقارب تسعين في المئة من مقاعده، ونال 12 مقعداً فقط، نزولاً من 125 مقعداً من أصل 395 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته الذي انتُخب في العام 2016. وفشل زعيم الحزب، رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، في الاحتفاظ بمقعده، بينما ضاعت منه بلديات مدن كبرى.
خسارة «العدالة والتنمية»، قابلها فوز لقوى يمين الوسط ويسار الوسط، حيث نال حزب «التجمع الوطني للأحرار» بزعامة الملياردير عزيز أخنوش، المرتبة الأولى بـ97 مقعداً، وهو حزب أسّسه أحمد عصمان رئيس الوزراء السابق، وصهر الملك السابق الحسن الثاني، في تشرين الأول 1978. كما حاز حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي يتزعّمه عبد اللّطيف وهبي 82 مقعداً أبقته في المرتبة الثانية على رغم الظروف الصعبة التي مرّ بها بسبب «خلافات تنظيمية»، على حدّ قول زعيم الحزب. وبموجب الدستور، سيقوم الملك بتعيين رئيس الوزراء من الحزب الذي فاز بأكبر عدد من الأعضاء، ليقوم الثاني بتشكيل الحكومة.