فرضت الإنجازات العسكرية الكبيرة للجيش اليمني واللجان الشعبية في محافظة مأرب، في خلال الأسابيع الماضية، تحرّكاً إقليمياً ودولياً تُرجم في الأيام الأخيرة عبر مبادرة متجدّدة للمبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث. المبادرة المعدّلة للمرّة الرابعة في أقلّ من سنة، والتي تحمل اسم «مسودة الإعلان المشترك»، عرضها غريفيث على المسؤولين السعوديين والرئيس اليمني المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين آخرين في حكومة الأخير، أثناء زيارته الحالية للعاصمة السعودية الرياض. وهي تتضمّن، إلى جانب اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، إجراءات اقتصادية وإنسانية مثل إعادة تشغيل مطار صنعاء، وصرف رواتب الموظفين، ومعالجة مشكلة خزّان النفط العائم «صافر» وأزمة الوقود في المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ.
تتضمّن المبادرة إجراءات اقتصادية وإنسانية مثل إعادة تشغيل مطار صنعاء، وصرف رواتب الموظفين(أ ف ب )

وتصف مصادر مطّلعة في حكومة صنعاء، في حديث إلى «الأخبار»، مبادرة غريفيث بأنها «مناورة سياسية مخادعة»، معتبرة أن «النظام السعودي يُوجِّه ما يُسمّى الشرعية برفض المبادرة في الظاهر، ولكن في الواقع ليس أمامه سوى خيار الموافقة عليها بسبب الخشية من أن يؤدّي تحرير مأرب إلى تقليص خياراته مقابل تعزيز أوراق قوة أنصار الله». وتتحدّث المصادر عن «ثغرات جسيمة» في المبادرة، لا يمكن لـ«الإنقاذ» السكوت عليها؛ إذ إن بنودها لا تبدو كفيلة بوضع حدّ للحرب. «صحيح أنها تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار، ومعالجة للوضع الاقتصادي، إلا أن تلك المعالجة جزئية ولا تفي باحتياجات الشعب اليمني. والأسوأ من ذلك كلّه أنها لا تتضمّن رفع الحصار»، بحسب المصادر نفسها، التي تضيف أن «المبادرة تُبقي الجانب السعودي متحكّماً بالبلد، فضلاً عن إمساكه بقرار السلم والحرب فيه، ومتى أتيحت له الفرصة سينقضّ على كلّ الإنجازات التي تَحقّقت». ومن هنا، ترفض المصادر «إبقاء الشعب اليمني رهن المزاج السعودي، متى شاء يفتح المطار والموانئ ومتى شاء يغلقها، وكذا التحكّم بالمرافق الاقتصادية عبر علاقاته مع الجهات الدولية التي تُمكّنها المبادرة من التحكّم بالثروة النفطية من الإنتاج والتصدير مروراً بالرواتب والموازنات وغيرها». وخير مثال على ذلك، كما تقول المصادر، ما يحصل من منع للمشتقات النفطية والمواد الغذائية والدوائية عن ميناء الحديدة، علماً أنه بحسب «اتفاق استوكهولم» المُوقّع أواخر عام 2018، يفترض أن ترسو السفن بشكل طبيعي في الميناء، «إلا أن السعودية تمارس حصاراً قاسياً عليه، وتمنع دخول السفن إليه رغم حصولها على تراخيص من هيئة التفتيش التابعة للأمم المتحدة». على أيّ حال، تتابع المصادر، فإن «تضحيات الشعب اليمني طوال سني الحرب لا تتناسب مع أيّ مبادرة تنتقص من سيادة البلد، أو تُقيّد قراره الحر، أو تمنعه من ممارسة دوره الطليعي في الإقليم».
مصادر صنعاء: المبادرة تُبقي الجانب السعودي متحكّماً بالبلد


وتمتنع حكومة الإنقاذ، منذ شهور، عن استقبال المبعوث الأممي، لاتهامها إيّاه بالانحياز إلى الجانب السعودي، والتركيز على البعد المحلّي للحرب بتجاهل كون العدوان الذي يُشنّ على اليمن سعودياً. ويأتي رفض قيادة صنعاء المبادرة المُعدّلة لغريفيث توازياً مع إعلان رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، عشية ذكرى «14 أكتوبر» (تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني) عن «مفاجآت فعّالة» ربّما يُماط اللثام عنها في الأيام المقبلة، في إطار «الدفاع المشروع عن أرضنا وشعبنا، بحسب ما تقتضيه المصلحة وما تستدعيه طبيعة الظروف والمتغيّرات».
في المقابل، لا تزال حكومة هادي، رغم صعوبة وضعها الميداني والسياسي، ترفض مبادرة غريفيث، معترضةً على إبقائها على إدارة «الإنقاذ» لمطار صنعاء، ومطالِبةً بعودة طاقم العمل الذي كان هناك قبل عام 2014. كما تَتَحفّظ على مقترحات استئناف تصدير النفط من حقول مأرب، فيما لا يزال ميناء رأس عيسى تحت سيطرة قيادة صنعاء، ولم تنسحب منه وتُسلّمه إلى الأمم المتحدة، إلى جانب مطالبتها بالرقابة على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة بدعوى منع تهريب الأسلحة. تنظر ما تُسمّى «الشرعية» إلى المسودة المعدّلة لـ«الإعلان المشترك» على أنها تستهدف ترويضها، تمهيداً لدفعها إلى التنازل أو على الأقلّ القبول بالشراكة في الوقت الراهن مع صنعاء في تمثيل اليمن في المحافل الإقليمية والدولية بعد أن استمرّ طوال سني الحرب حصرياً بيدها. وهو ما أمّن لـ«التحالف» ذريعة لاستمرار العدوان بدعوى مناصرة «الشرعية»، وللشخصيات والمسؤولين في الأخيرة التكسّب المستمرّ، حتى بات يطلَق على هؤلاء «تجار الحرب». وتتذرّع حكومة هادي بأن مبادرة غريفيث تُغيّر شكل الدولة في اليمن، من خلال اعترافها بانعدام وجود النظام الجمهوري حالياً. كما أنها تُسقط المرجعيات الأساسية الثلاث لـ«الشرعية»، من خلال شرعنة وجود حكومة الإنقاذ باعتبارها أمراً واقعاً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا