الخرطوم | منذ تأليف الحكومة الانتقالية في السودان، ظلّت قضية فضّ اعتصام القيادة العامة في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي في الخرطوم، والذي خلّف قتلى تجاوزوا مائة وعدداً من الجرحى والمفقودين، من دون محاسبة أو محاكمات، ولذلك استمرت في الأسابيع الماضية التظاهرات في العاصمة للمطالبة بمحاكمة رموز النظام وبالعدالة والقصاص للشهداء. المتظاهرون سلّموا مذكرة لوزير العدل، نصر الدين عبد البارئ، فيما تسبّب ضغطهم المتواصل في تعجيل قرار رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، تشكيلَ لجنة مستقلة برئاسة قاضي محكمة عليا وعضوية سبعة آخرين ممثلين عن «العدل» و«الدفاع» و«الداخلية»، إضافة إلى شخصية قومية مستقلة ومحامين مستقلين. كان لافتاً تأليف اللجنة وفق قانون 1954، وصدور القرار من رئيس الوزراء لا النائب العام، إذ إن اللجنة السابقة التي شُكّلت للهدف نفسه كانت برئاسة النائب العام، ووفق قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991. جراء ذلك، قوبل إعلان حمدوك بجدل قانوني كبير. يقول البرلماني السابق عبد الجليل عجبنا، إن القرار «غير مدروس»، مضيفاً في حديث إلى «الأخبار» أن «هذه اللجنة لن تكون مستقلة ما لم توكل إلى ثلاثة قضاة بمحكمة مديرية وثلاثة وكلاء نيابة وثلاثة محامين مستقلين لا تقلّ خبرتهم عن 15 عاماً». وانتقد عجبنا وجود ممثلين عن الشرطة والجيش والأمن في اللجنة، لأن «هذه الجهات قد تكون متهمة بارتكاب الجريمة... تشكيل رئيس الوزراء للجنة يعني أن قراراتها لا تصل الجيش، لأن قائده الأعلى هو رئيس مجلس السيادة، والأخير خارج سلطة رئيس الوزراء».
بناءً على ما سبق، فهم كثيرون خطوة حمدوك في سياق المجاملة والخروج السهل من مأزق الضغوط الشعبية، وذلك يعود إلى أن أولويات حكومة الرجل الآن تصفية الخدمة المدنية من أفراد النظام السابق، وهو ما بدأ مع إعفاء بعض القيادات العليا. لكن القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، ساطع الحاج، يقول لـ«الأخبار» إن القانون يعطي رئيس الوزراء الحق في تأليف هذه اللجنة، وإن هذا الأمر واحد من مهمات المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن المادة 16 من الوثيقة الدستورية ذكرت أن من مهمات «الانتقالية» تأليف لجنة تحقيق وطنية مستقلة. وأبدى الحاج تقديره لهذه الخطوة لأنها «بداية تنفيذ فعلي لمطالب الشعب... أتمنى أن نصل إلى نتائج عادلة».
فهم كثيرون خطوة حمدوك في سياق المجاملة والخروج السهل من مأزق الضغوط


على الصعيد القانوني، يؤكد مصدر في وزارة العدل، تمنى إخفاء اسمه، أنه لا يوجد ما يمنع تشكيل رئيس الوزراء هذه اللجنة، بل إن هذا «يعطيها بعداً مهماً في تحقيق العدالة، لأن مصدر القرار صاحب سلطة عليا». ويلفت المصدر إلى إمكانية رفع النتائج لاحقاً إلى النائب العام الذي من واجبه توجيه الاتهامات الجنائية. من جهته، يذكّر الكاتب والقانوني نبيل أديب، في حديث إلى «الأخبار»، بأن لجان التحقيق لعام 1954 «تعمل لمعرفة الحقيقة والتوصل إليها، ثم تضعها أمام الجهة التي كلفتها (رئاسة الوزراء)»، موضحاً أن قانون 1954 يمنع استخدام أقوال الشهود التي أُدلي بها أمام أي محكمة جنائية أو مدنية. ويضيف أديب: «إذا اتضح أن هناك مشكلة تستدعي المساءلة الجنائية، تُحوّل إلى النائب العام ليبدأ التحرّي والتحقيق من البداية... لجنة حمدوك أوسع مجالاً من لجنة النائب العام».
ومن المتوقع أن تقود نتائج التحقيق إلى إشكالات تعكّر صفو الشراكة بين العسكر و«الحرية والتغيير»، على خلفية حديث عن احتمالية تورط «قوات الدعم السريع» وقوى أمنية أخرى في فضّ الاعتصام، خاصة أنه ورد في نتائج اللجنة السابقة ضلوع ضباط من الأمن و«الدعم السريع» في مهاجمة المعتصمين، وتجاوز تلك القوات مهامّها واقتحامها منطقة الاعتصام. لذلك، وفي حال عملت اللجنة بتجرّد وشفافية، فقد يظهر تورط جهات مسؤولة، لكن الحاج يستبعد حدوث خلاف مع العسكريين، لأن «الوثيقة الدستورية أقرّت مبدأ العدالة وأن ينال أي مجرم تلوثّت يده بدم الشهداء العقاب اللازم».
يشار إلى أنه قبيل توجه حمدوك إلى نيويورك، مساء السبت الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ74، أصدر عدداً من القرارات أعفى بموجبها وكلاء وزراء الخارجية والتعليم العالي والمالية، مُعيِّناً بدلاً منهم وكلاء جدداً، كما أنه أعفى الأمين العام لديوان الضرائب، فيما تتحدث مصادر عن قرارات أخرى سيتخذها فور عودته، وكلّها تصبّ في «خدمة التوجه الثوري».