عمان | عبّر وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس منذ أشهر عن اهتمامه بسكة القطار الحجازية. كاتس كان يرمي في تصريحاته إلى السكة التراثية الموجودة على الأراضي الأردنية، لكن المعنى الحقيقي أخذ يتكشّف بعد التقارب السعودي- الإسرائيلي الأخير، لا سيما أن الأراضي الأردنية أمر واقع لا يمكن تجاهله ضمن مشهد التطبيع الجديد. أما الجانب الأردني فعلى ما يبدو أنه كان يدرك للخطط المستقبلية المتعلقة بموقعه الجيوسياسي، وبدأ ترتيبات مبكرة يمكن الآن تفسيرها ليزول العجب المتعلق ببعض القوانين التي أثارت جدلاً في حينها.دشّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير المواصلات والاستخبارات يسرائيل كاتس، سكة قطار في تشرين الثاني عام 2016، امتدّت من حيفا غرباً وصولاً إلى بيسان شرقاً، الواقعة شمال غور الأردن، وهي تقع بمحاذاة سكة الحجاز القديمة. السكة التي تقطع مرج بني عامر بدأت رحلاتها التي تستغرق 8 دقائق منذ نحو عامين. وفي حفل افتتاح «قطار المرج»، قال نتنياهو: «لقد نظرتُ إلى جسور الأردن واليرموك، حيث أعتقد بأن هذا القطار سيكون يوماً قطاراً للسلام. أعلم بأن هذه المقولة تختلف عما يُقال حالياً في محيطنا لكن لدينا اتفاقية سلام مع المملكة الأردنية، ما يعني أن هذه البضائع التي يتم نقلها من ميناء حيفا إلى بيت شآن يمكن نقلها بسهولة إلى جسور الأردن حيث تتصل بطرق المواصلات ومنها السكك الحديدية، لنجدد بالتالي عراقة الماضي سعياً لتحقيق مستقبل جديد... إنني أؤمن بورود هذا الاحتمال وأعتقد بأنه يعطينا الأمل ويأتينا، نحن وجيراننا أيضاً، بثمار السلام».
على الجانب الأردني، لم تكن سكة الحديد الحجازية أكثر من معلم أثري غير مستغل في شكل كبير، أشرفت على إدارته السلطات العثمانية منذ التأسيس في عام 1900 إلى عام 1917، وتبعتها إدارة الانتداب البريطاني على فلسطين ممثلة في إدارة سكك حديد فلسطين حتى عام 1948، ومن ثم إدارة الجيش الأردني لغاية 1950، لحقتها الإدارة المدنية الأردنية لغاية 1952، وفي العام ذاته تم انشاء «مؤسسة الخط الحجازي الأردني» التي كانت المسؤولة عن إدارة واستثمار أملاك الخط ضمن الأراضي الأردنية.
يرتبط المشروع الأردني بمخرجات «اجتماع مكة»


مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردني تابعة لوزارة النقل كما كانت تتبع مؤسسة سكة حديد العقبة التي تم تحويلها العام الماضي إلى شركة تمتلك الحكومة كامل أسهمها، وتتبع لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، ليتم في ما بعد تخصيصها وعرضها على المستثمرين وفق تصريحات وزير النقل حينها، سعود نصيرات. مسألة القطارات في الأردن، الذي يتمتع بشبكة مواصلات متواضعة، طرحت من خلال قانون موقت للمؤسسة الأردنية للسكك الحديدية رقم 40 لعام 2010. إذ كان من المقرر أن تنشأ في المملكة مؤسسة عامة رسمية تسمى «المؤسسة الأردنية للسكك الحديدية» ترتبط بوزير النقل وتتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري مؤهلة لتملك الأموال المنقولة وغير المنقولة واستثمارها والقيام بجميع التصرفات القانونية اللازمة لتحقيق أهدافها. حينها، دافعت الحكومة عن القانون باعتباره مشروعاً وطنياً يهدف لربط المدن الصناعية والمراكز اللوجستية، وربط الأردن مع دول مجاورة. وكان من المقرر أن يعتمد في تنفيذه في شكل مبدأي على مسار الخط الحديدي الحجازي. ووفق تصريحات الناطق باسم الحكومة حينها محمد المومني، كان العائق أمام إنجاز هذا المشروع هو «التمويل». لكن في أيار الماضي تم رد هذا القانون من لجنة الخدمات النيابية بدعوى أنه يتعارض مع قانون «صندوق الاستثمار» رقم 16 لعام 2016. هذا القانون أثار جدلاً في جلسة مجلس النواب أثناء التصويت عليه حيث تم استثناء الشركات الإسرائيلية منه في الجلسة الصباحية ليعاد التصويت في جلسة مسائية، ويتم التراجع عن هذا الاستثناء. بالنظر لمزاد هذه القانون، يتبيّن أنه عُمد إلى تأسيس شركة مساهمة تؤسسها الصناديق السيادية العربية ومؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والأجنبية، بحيث ينشأ في المملكة صندوق يسمى «صندوق الاستثمار الأردني» يتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري. وفي ما يخص حقوق تملك واستثمار وتطوير وإدارة وتشغيل المشاريع فهي تمسّ في شكل مباشر مشروع شبكة السكك الحديدية ومشروع الربط الكهربائي مع السعودية، أي أن التحضير لترتيبات المرحلة اللاحقة في المنطقة من ناحية الاستثمارات في الأردن ارتبط بصندوق استثمار تدخل جهات عربية وأجنبية فيه ولا تستثنى إسرائيل منه، وهو يعيدنا إلى موضوع مخرجات «اجتماع مكة» وبنود الدعم التي جاءت من بينها على شكل تمويل من صناديق التنمية للدول التي قدمت المنحة (السعودية والإمارات والكويت) لمشاريع إنمائية.
الخط الذي دشنّه السلطان عبد الحميد الثاني لكسب تأييد المسلمين بتسهيل قوافل الحجيج، جاء بعد 118 عاماً ليدشن رحلات تطبيعية بين إسرائيل والسعودية، ستعزز التعاون الاقتصادي الإسرائيلي ــ العربي. المثير للمخاوف بعد إتمام مشروع القطار وما يترتب على هذا الربط بين البحر المتوسط والخليج، أن يكون الأردن مجرّد معبر تستطيع إسرائيل استخدامه كيفما تشاء، وبخاصة التدخل في شكل مباشر لحماية استثماراتها المعلنة.