عمان | من المفترض الآن أن تتجه الدولة الأردنية إلى تغيير النهج الذي تتبعه مع التيار السلفي المنتشر في عدة محافظات، حيث يحوم تساؤل عن معالجة الخطاب الديني كلياً، لتخليصه من الأفكار الوهابية المتأصلة فيه، وخاصة بعد تعميم وزارة الأوقاف على خطباء المساجد، أن يتحدثوا في خطبهم عن وحشية وفظاعة حرق الطيار معاذ الكساسبة حياً، ما أعطى مؤشرا أوليا على أن الدولة تعمد إلى تغيير الخطاب الديني المسيطر، من السلفي إلى المعتدل نسبياً.ويجمع مراقبون على أن الأردن دوما كان خزاناً للسلفيين المتطرفين، وأن نشأتهم كانت فيه بالأساس. والأمر المثير للاستغراب، هو إفراج محكمة أمن الدولة عن منظر التيار السلفي، عاصم برقاوي، المعروف باسم أبو محمد المقدسي، ليلة الخميس، بعدما كان مسجوناً في سجن الموقر منذ 100 يوم بتهمة الترويج لأفكار إرهابية.

وفي الآونة الأخيرة لوحظ وجود غزل متبادل بين التيار السلفي والجهات الرسمية، إذ يحاول قادة التيار أن يكونوا على الحياد، ويظهروا انحيازهم إلى الدولة برغم أفكارهم المتشددة. وكان التصريح الأخير لمنظر التيار، الملقب بأبو قتادة، بأن مصير «داعش» سيكون إلى الزوال عاجلاً أم آجلاً، جزءا من هذا الغزل.
حتى المقدسي نفسه أُخرج ليؤدي دوره مباشرة، يوم أمس، عبر تلفزيون «رؤيا» صاحب المتابعة الكبرى بين الأردنيين. قال إنه حاول الاتصال بـ «داعش» وخاصة «العقلاء» فيه، لتحقيق مصلحة شرعية في مبادلة الطيار الكساسبة بالسجينة ساجدة الريشاوي. وأضاف المقدسي أنه تواصل مع من سماهم «المجاهدين» في العالم، وخصوصا في المغرب والكويت وسوريا، طالبا منهم المساعدة في الوساطة مع التنظيم، وهؤلاء بدورهم تواصلوا مع «أبو محمد العدناني، وصولا إلى مراسلة أبو بكر البغدادي... قادة التنظيم أصموا آذانهم عن تلك المناشدات، ولم يكترثوا لساجدة الريشاوي ومصيرها».
وبعيدا عن مدى صحة هذا الحديث وغرضه في هذا التوقيت، فإن الظاهر حتى الآن سلسلة استنكار إسلامي لما جرى، لكنها كلها لا تمثل موقفا واضحا يمكن البناء عليه. حاولت «الأخبار» التواصل مع الأستاذ الجامعي المحسوب على التيار السلفي، إياد القنيبي، لكنه رفض التعليق على حادثة حرق الكساسبة حياً، مشيرا إلى أن هذه الواقعة حدثت على الأراضي السورية، ولا علاقة له بالتحدث عنها.
وفيما أوضح القنيبي أن الأفضل له أن يحمل «فكراً مستقلاً وحراً، ورفض حصره داخل التيار السلفي»، أكد في الوقت عينه أنه لا يتبرأ منهم، لكنه لا يريد أن يكون تابعاً لأي جهة كانت، برغم أنه يعلق على الأحداث السورية يومياً على صفحته في «الفايسبوك»، التي يتابعها نصف مليون معجب، وهو الذي غرد أخيراً بامتداح «داعش» عند دخوله الموصل.
في حالة أخرى، فإن جماعة «الإخوان المسلمون» الأردنية التي تمتلك، مع التيار السلفي، ناصية الكلام والخطابة في كل المناسبات، ظلت تتلعثم عندما يتعلق الأمر بـ«داعش»، فتضيع المفردات هرباً من قول كلمة واضحة في هذا التنظيم. هذا بالضبط ما فعله، قبل أيام، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الإخوان السياسية)، حمزة منصور، الذي لم يجد في الجريمة أمراً مستنكراً «غير طريقة اقترافها». وأضاف منصور أنه «يدين الأعمال الإرهابية، ولا يدين داعش»، رافضاً وصف أعضاء التنظيم بالإرهابيين، ما يدلّ فعليا على وجود تعاطف رسمي من الجماعة مع مشروع «الدولة الإسلامية».
وفجأة، عاد الرجل وتراجع عن تصريحاته، وعدل أقواله بعد تهربه عدة مرات من الحديث عن «داعش»، فقال «غضِبنا على الذين اغتالوا الشهيد (الكساسبة) بهذه الطريقة، التي تقشعر لها الأبدان، وهم أكدوا بهذا الفعل أنه لا صلة لهم برسول الله»، مكملا: «إننا على يقين باذن الله أن عيوننا ستقرّ يوم يجري الانتقام من هؤلاء المجرمين الذين تحدونا وتحدوا شريعتنا».
في سياق متصل، كشف المسؤول عن الملف السياسي في المبادرة الأردنية للبناء «زمزم»، المنشقة عن «الإخوان»، نبيل الكوفحي، أن المبادرة تنوي إقامة مؤتمر وطني للبحث في وسائل إتاحة الدور لمؤسسات المجتمع المدني «لإزاحة الكابوس الذي يخيم على المنطقة». وأظهر الكوفحي لـ«الأخبار» أن قناعات «زمزم» تقول إن التدخل الأمني والعسكري للأردن غير كاف، ولم ينجم عنه «إلا فشل حقيقي في التعامل مع الملف السلفي»، واصفاً إياه بالتعامل القاصر.
وحول تعاطف بعض الجماعات مع «داعش»، علق الكوفحي بأن ذلك ليس إيماناً وقناعة منها، بل «رد فعل عكسي على أخطاء للأنظمة السياسية، التي جاء بها ما يسمى الربيع العربي، وخاصة أن ثمة بلدانا تتعامل من منطلق طائفي لإدارة شؤون البلاد». وأضاف أن «الدولة الأردنية تعتمد تبليغ المفهوم الأمني والعسكري التعامل مع هذه الظاهرة، لكن ذلك لن يجدي نفعا، إذ يجب اتخاذ خطوات جادة في الإصلاحات السياسية والعدالة المجتمعية».
إلى ذلك، شاركت زوجة الملك الأردني، رانيا العبدالله، في مسيرة حاشدة خرج فيها نحو 8 آلاف شخص تضامناً مع عائلة الكساسبة. وانطلقت المسيرة بعد صلاة الجمعة من أمام المسجد الحسيني باتجاه ساحة النخيل، لكن مشاركة رانيا جاءت دون إعلان مسبق أو بروتوكولات أمنية.