عندما سمعت بخبر العملية التي قام بها الشرطي المصري محمد صلاح، لم أستغرب شيئاً، كان الأمر، بالنسبة إلي، بديهياً، فهذه مصر بادئ ذي بدء.قبل محمد صلاح، كان هناك العديد من المناضلين، الذين قاوموا الاحتلال الإسرائيلي، سليمان خاطر واحد منهم، وأيمن حسن، وفي سيناء الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كانت هناك مقاومة ضروس للاحتلال، كلّفته الكثير من الجنود والضباط.
ما فعله محمد صلاح ليس عجيبة أو غريبة، فلعل في مصر 104 ملايين إنسان تقريباً، لا أبالغ في القول حين أقول، كلهم سيكونون جنداً في معركة قادمة لا محالة مع إسرائيل. وأقول ما أقول لأنني أؤمن، بأن مصر قامت، قامت الأمة كلها، وحان قطاف إسرائيل.
■ ■ ■

ليست مشهورة أو معروفة، هي سيدة من سيناء، من قرية «الخروبة» على بعد 14كم من العريش شرقاً، استشهد زوجها بقصف إسرائيلي، واستشهد ابنها محمد خلال زرعه لغماً في طريق الدوريات الإسرائيلية قرب قريتها، وأصيبت ابنتها مريم، وأُسر ابنها موسى، الذي اقتلعت إسرائيل عينه، خلال التعذيب.
تبدأ حكايتها، باحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967، وفي الليلة الأولى للحرب كما تذكر بعض المصادر، سمع الشقيقان محمد وموسى ابنا سالمة، صوت أنين قريباً، بحثا، وإذ بهما يجدان ضابطاً مصرياً مصاباً، كان هذا الضابط هو مجدي زكي، وكانت إصابته بليغة، اضطرته للمكوث عند العائلة لمدة شهرين تقريباً، روى للعائلة الفظائع التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما حفّز أفراد العائلة، وعلى رأسهم سيدة البيت سالمة، على فعل شيء، فطلبت من الضابط أن يعلّمهم فك وتركيب الألغام، وهذا كان اختصاصه، وهذا ما كان. وحقل الألغام القريب من المنزل.
يقول موسى الرويشد، ابن السيناوية سالمة شميط، والأسير المحرر، إن مجدي «طلب منا أن نضع علامات على أماكن الألغام في النهار، وفي الليل، تسللنا برفقة الضابط على ضوء القمر، إلى مواقع الألغام، حيث قام بتفكيكها، ثم عدنا بها إلى المنزل، وهناك تولّى تدريبنا على كيفية فك الألغام التي يزرعها العدو، وإعادة زراعتها مرة أخرى في طريق قواته».
بعد هذا التعليم، وتلك التدريبات التي تلقّتها العائلة، وبهمة روح الأم وقوة الأب، تحوّلت العائلة إلى خلية فدائية، تمارس العمل المقاوم ضد المحتل.
استشهد الأب وأصيبت الابنة مريم، وتمكنت العائلة من نقل الضابط مجدي إلى الضفة الغربية من القناة، ليعود إلى عديد القوات المصرية وعائلته هناك. أما السيدة سالمة ومعها ولداها موسى ومحمد فاستأنفوا عملهم الفدائي مع آخرين في سيناء، منهم صديق العائلة سلام أبو عرادة. ولاحقاً، وبينما كان محمد يفكك لغماً، انفجر به، فاستشهد. لم تيأس الأم، واستمرت مع ابنها موسى الذي صار لقبه «مهندس الألغام»، وقام بالعديد من العمليات منها كما يذكر: «كان الإسرائيليون يتخذون مكاناً على طريق الحسنة-رأس سدر، كمخزن للذخيرة، ليكون مدداً لقواتهم على الجبهة، وكنت أعمل سائقاً على هذا الطريق، وقد اتخذت قراراً بتدميره». ويكمل قائلاً: «صنعت كرة كبيرة من القماش والإسفنج، ثم أغرقتها فى السولار والبنزين والجاز الأبيض عدة أيام حتى تشبّعت تماماً، بعدها أحضرت قطاً وربطت في نهاية ذيله الكرة المبلّلة بالوقود وتسللت إلى جوار مخزن الذخيرة وأشعلت النار فى الكرة المشبعة بالوقود، وأطلقت القط بين صناديق الذخيرة، انطلق بينها كالمجنون واشتعلت النيران لتبدأ الانفجارات لتدمر المخزن كاملاً وتقتل الكثيرين».
لم تتوقف البطولة هنا، وقع موسى أسيراً، أثناء تجهيزه لعملية مع صديقه أبو عرادة في 4 تموز 1977، إذ كانا يجهزان لتفجير آليات إسرائيلية بمحطة بنزين قرب مستشفى العريش في ذلك الوقت. ولسوء حظهما، كان أحد جنود الاحتلال، قد انتبه إليهما، فأطلق النار على اللغم، فاستشهد أبو عرادة على الفور، بينما أغمي على موسى الذي نُقل إلى مستشفى العريش، ومن ثم إلى سجن الرملة في فلسطين المحتلة. هناك ذاق تعذيباً هائلاً في جسده المصاب بكميات من الشظايا، وبينما كان الاحتلال يطلب منه الاعتراف على من معه، مقابل وقف التعذيب، إلا أنه ظل رافضاً، فجلبوا أمه لينهار ويعترف، وتضغط عليه بدورها، لكنها قالت له «خليك راجل يا ولدي، أرضنا ما زالت محتلة... لو ظل العود اللحم يعود». أثارت جملة «أم الأبطال» حفيظة الضباط الإسرائيليين، فركلوها، وأخرجوها من المكان، ليستمر تعذيبه، ويعرض على المحكمة التي قضت بسجنه 25 عاماً، لم يكملها، ونال حريته بتبادل أسرى عام 1980.
■ ■ ■

بعد احتلال شبه جزيرة سيناء عام 1967، أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بإنشاء «منظمة سيناء العربية»، في مطلع عام 1968، وتم تكليف العقيد، آنذاك، عادل فؤاد، بتأسيسها. انضوى في هذه المنظمة الكثير من المدنيين، ممن أرادوا الدفاع عن أرضهم، منهم حسن علي خلف، من منطقة الجور في الشيخ زويد، كُلف بمهمات تصوير بعض المناطق العسكرية للاحتلال في سيناء. ولاحقاً، قام بتدمير مركز قيادة الاحتلال في منطقة العريش، بـ 12 صاروخ كاتيوشا، ويقول الرجل الملقّب بـ«النمر الأسود»: «كانت أول عملية فدائية لي، كنت في الضفة الغربية للقناة أعد العدة لتدمير مقر الحاكم العسكري الصهيوني في العريش، ونقلنا 12 صاروخاً لمسافة 150كلم مشياً على الأقدام، وقمنا بنصب الصواريخ في المكان المحدد، ونجحنا في تدمير مقر الحاكم العسكري، ما شجّعني على القيام بعمليات أخرى، من بينها قصف موقع عسكري إسرائيلي فى منطقة بالوظة بـ 24 صاروخاً، أكثر من مرة كل شهر». وقع «النمر الأسود» في الأسر، أثناء تنفيذه إحدى العمليات، وحكمت عليه محكمة الاحتلال بالسجن لمدة 149 عاماً، قضى منها 40 شهراً، ليُفرج عنه في صفقة تبادل.