لن تستطيع وضع قدمك على أراضي هذه البلاد، من دون أن تشعر بزلزلة الأرض من تحتك، ربما هي هزةٌ ارتدادية، أو قد تكون هزة متواضعة على مقياس ريختر من فالق زلزالي مجاور، أو أنها ارتداد صرخات الناس الذين ينادون أحبابهم المدفونين تحت الركام، علّهم يسمعون صوت أملٍ آخذ في التلاشي كلما دارت عقارب الساعة. صور دمار، عائلات تفترش الطرق والحدائق والجوامع والمدارس، استغاثات وتضرع، ووجوه مذهولة من هول ما حدث، تحاول تمالك ما تبقّى لديها من عزيمة لمواجهة القادم الأعظم. هذا هو حال السوريين اليوم بعد الكارثة الأخيرة التي ألمّت بهم، وهو حال فلسطينيي سوريا كذلك، حيث لم تنفصل معاناة اللاجئ الفلسطيني يوماً عن ما يمر به أهل البلاد المستضيفة له، فلاجئو سوريا كان لهم نصيب كبير من المعاناة والألم الذي حصدوه خلال سنوات النزاع المسلح الذي شهدته البلاد، فطاول الدمار معظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
(صهيب عمراية)

اليوم، وبحضور كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، وراح ضحيته حتى لحظة إعداد المادة (صباح 10 شباط) أكثر من 20 ألف قتيل و76 ألف جريح ومئات آلاف المنكوبين، عاد عدّاد الضحايا من الفلسطينيين اللاجئين في سوريا إلى الارتفاع مجدداً، مع سقوط المزيد منهم في مخيمات الرمل في محافظة اللاذقية غرب سوريا، ومخيمي النيرب وحندرات في محافظة حلب شمالاً، وفي مناطق شمال غربي سوريا، وفي تركيا.
الخارجية الفلسطينية أعلنت في بيان ارتفاع حصيلة الضحايا من الفلسطينيين إلى 77، بعد وفاة عائلة فلسطينية مكوّنة من 3 أفراد في مدينة أنطاكيا التركية، مرجّحة ارتفاع أعداد الضحايا بسبب عدم اكتمال المعلومات المتوفرة بشأن سلامة جميع الأسر الفلسطينية المتواجدة في المناطق المنكوبة في كل من تركيا وسوريا.

47 ضحية فلسطينية ومئات الجرحى في عموم سوريا
وعن الوضع الإنساني للمخيمات المنكوبة في سوريا، تحدّث السفير أنور عبد الهادي، المدير العام لدائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية في سوريا، لـ«الأخبار»، بأن المخيمات في اللاذقية وحلب وحماة وبعض التجمعات الأخرى، تعرضت إلى نكبة جديدة بفعل الزلزال الذي ضرب المنطقة، وخاصة مخيمات الرمل والنيرب والتجمعات الفلسطينية في الشمال السوري.
وأوضح عبد الهادي أنه بحسب آخر المعلومات، فإن أعداد ضحايا الزلزال من الفلسطينيين الذين قضوا في مختلف المناطق السورية وصل إلى 46 لاجئاً فلسطينياً في حصيلة غير نهائية، نظراً إلى استمرار أعمال الإنقاذ في بعض المناطق، في وقت لا يزال مصير عدد من العائلات الفلسطينية مجهولاً حتى اللحظة.
ولفت السفير عبد الهادي إلى أن السفارة الفلسطينية لدى دمشق، عملت منذ اللحظات الأولى على إرسال موفودين إلى المخيمات الفلسطينية المنكوبة لمتابعة الأمور على الأرض وتحديد الاحتياجات اللازمة لإنقاذ أرواح سكانها من سوريين وفلسطينيين، مشيراً إلى تحرك طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، مزوّدةً بالمعدات والأدوية الطبية الإسعافية وسيارات الإسعاف إلى تلك المخيمات في اللاذقية وحلب وحماة، للعمل على المساعدة في انتشال الضحايا والمصابين، ونقلهم إلى المراكز الطبية والمشافي وتقديم الإسعافات الأولية، وتجهيز مراكز إيواء للمنكوبين الذين فروا من منازلهم خشية خطر تداعيها مع الهزات الارتدادية.
الخارجية الفلسطينية أعلنت في بيان ارتفاع حصيلة الضحايا من الفلسطينيين إلى 77، مرجّحة ارتفاع الأعداد


وسجّلت المراصد الدولية للزلازل حتى يوم الجمعة أكثر من 1500 هزة ارتدادية متفاوتة الشدة جراء الزلزال الذي ضرب البلاد فجر الإثنين، الأمر الذي جعل خطر تداعي المنازل وانهيار الأبنية أمراً قائماً حتى اللحظة، وخاصة أن التجمعات السكنية الفلسطينية في المحافظات المنكوبة غير آمنة لناحية الزلازل، ولا تحقق أياً من معايير السلامة في مثل هذه الكوارث الطبيعية.
وأشار عبد الهادي إلى وصول 43 عضواً (منقذين ومسعفين) من فريق فلسطين للتدخل والاستجابة العاجلة إلى سوريا مساء الخميس، عبر معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، بهدف دعم جهود الإغاثة المحلية والدولية، وسيباشر الفريق العمل فور وصوله إلى المناطق المتضررة نتيجة الزلزال بمساندة الطواقم الأخرى العاملة في المستشفيات الميدانية، والمشاركة في عمليات الإنقاذ والإخلاء والإسعاف بالتنسيق مع السلطات المعنية.
وأكد السفير عبد الهادي الاستعداد لتسخير الإمكانات المتاحة من أجل تقديم يد العون لسوريا، لافتاً إلى وجود نقص كبير لدى طواقم الإنقاذ والإسعاف السورية، وخاصة الآليات الثقيلة التي تساهم بشكل فعال في انتشال الضحايا والناجين من تحت الأنقاض، وذلك بسبب العقوبات الغربية المفروضة على سوريا منذ أعوام، مشدداً على أن الوضع صعب جداً في سوريا جراء هذه الكارثة، والحاجة كبيرة إلى معدات إزالة الركام والمواد النفطية اللازمة لتشغيلها وتشغيل المشافي التي تستقبل الضحايا والجرحى: «من غير المقبول أن يتذرع المجتمع الدولي بالعقوبات المفروضة كي يتخلى عن واجبه الإنساني بإرسال المساعدات الإغاثية الطارئة والمنقذة للحياة، فرغم الاختلاف بالسياسات يبقى الإنسان فوق كل شيء» يقول عبد الهادي، ويؤكد ضرورةَ تضافر الجهود العربية وحشد الطاقات في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح، والاستجابة لهذه المعاناة الإنسانية التي تعيشها سوريا.

مخيّمات متضرّرة
بحسب إحصائيات وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن حوالي 438 ألف لاجئ من فلسطين يعيشون على الأراضي السورية، يتوزعون على 12 مخيماً في أرجاء سوريا، ويعد شمال سوريا، أكثر المناطق تضرراً بالزلزال، مسكناً لحوالي 62 ألف لاجئ فلسطيني، وتقدر «الأونروا» أن حوالي 90% من هذه العائلات في حاجة إلى المساعدة بسبب الزلزال.
يأتي في مقدمة هذه المخيمات الرمل الجنوبي، والذي سجّل حضوراً في مؤشرات ضحايا الزلزال، حيث تم انتشال 28 جثماناً قضوا تحت ركام الأنقاض من فلسطينيين وسوريين، إضافة إلى عشرات المصابين جراء انهيار 5 مبان بشكل كامل، وتضرر عدد من المنازل بشكل جزئي، بحسب مدير جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في سوريا الدكتور عاطف هلال، الذي أكد لـ«الأخبار» أن عمليات الإنقاذ داخل المخيم انتهت يوم الخميس، لتتركز جهود الاستجابة على المنكوبين في مراكز الإيواء التي تم افتتاحها في مدارس «الأونروا» والمساجد داخل المخيم، وتقديم الرعاية الصحية والغذاء لهم.
مخيم النيرب في محافظة حلب أيضاً، كان له نصيب من الضحايا، حيث أوضح هلال أن ثلاثة أطفال فارقوا الحياة فيه جراء الزلزال، اثنان منهم توفيا تحت الأنقاض فيما لفظ الثالث أنفاسه الأخيرة في المستشفى جراء إصابته الحرجة، بينما تصدّعت أربعة أبنية بشكل كبير، وطاول الضرر الجزئي 50 منزلاً آخر ومسجداً. أمّا أهالي المخيم الذين تضررت بيوتهم، أو الذين يخشون من تضررها جراء الهزات الارتدادية المستمرة منذ لحظة وقوع الزلزال، فقد لجأوا إلى خيم وأماكن إيواء أعدّتها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، داخل الملعب التابع للمخيم.
كذلك مخيم حندرات، ثاني أكبر تجمع فلسطيني في حلب، فقد نجا من سقوط الضحايا، واقتصرت فيه خسائر الزلزال على الأضرار المادية الجسيمة التي طاولت البيوت والبنى التحتية، حيث انهار قرابة الـ 23 منزلاً. وقال هلال لـ«الأخبار»: «كوادرنا لا تزال على الأرض في المخيم الذي يقطنه حوالي ألف فلسطيني وتعمل على مساعدة المتضررين، ونقلهم إلى أماكن الإيواء المؤقت، إضافةً إلى تجهيز كرفانات لاستقبال الفارين من المنازل المتصدّعة». وأشار إلى أن تداعيات الزلزال وأضراره وصلت إلى مخيم العائدين في حماه، حيث تسببت الهزات في تضرر وتصدع عدد من البيوت داخل المخيم، حيث عمل الهلال الأحمر الفلسطيني على نقل سكان البيوت المتضررة إلى مراكز إيواء مؤقتة، تم افتتاحها في المخيم إضافةً إلى تجهيز كرفانات لاستقبال الفارين من المنازل المتصدّعة، موضحاً أن حوالي ألف لاجئ فلسطيني يقطنون المخيم.
سفارة دولة فلسطين لدى سوريا، أعلنت أيضاً في وقت سابق، قضاء ستة من أفراد عائلة أبو راشد الفلسطينية تحت الأنقاض في مدينة جبلة غربي البلاد. أمّا مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية، وأكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وأكثرها دماراً بسبب الحرب السورية، فهو الآخر تداعت فيه بعض البيوت التي أنهكتها العمليات العسكرية على مدى سنوات (منذ نهاية عام 2012 وحتى الشهر الرابع من عام 2018)، لتأتي الهزة الأرضية التي خلّفها الزلزال، وتسبب بانهيار عدد من الأبنية الآيلة للسقوط أساساً، من دون تسجيل أي ضحايا، فغالبية أبنية المخيم، إمّا مدمرة أو مهجورة منذ سنوات، مع وجود أعداد قليلة من السكان الذين يتوزعون في مناطق متفرقة من المخيم.
نداء إلى المجتمع الدولي
بدورها أطلقت «الأونروا» نداءً خلال الأيام الماضية، إلى الدول المانحة بحاجتها إلى 2,7 مليون دولار لدعم حوالي 57 ألف لاجئ من فلسطين تضرروا من الزلزال في سوريا، وفي المناطق التي يمكن الوصول إليها من دمشق، مشيرة إلى أن قوافلها تحركت مباشرة عقب الكارثة لتقديم المساعدات. وناشدت الوكالة، في بياناتها، المجتمع الدولي، بالتحرك الفوري وتقديم المساهمات المالية في ظل خطورة الوضع القائم وارتفاع أعداد الضحايا، والمرشح للازدياد في الفترة القادمة، موضحة أن المخيمات والتجمعات السكنية التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون في عموم سوريا تهدّم جزء منها وتصدّع الجزء الآخر وهي تحتاج إلى إعادة بناء وتأهيل، ولا سيما أنها متضررة بفعل الحرب والقصف.