كثيرةٌ هي الاسماء التي نستذكرها عندما نتحدث عن تأثير اللاعبين الاجانب في كرة السلة اللبنانية، إذ تطول لائحة اولئك الذين أغنوا ملاعبنا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي تحديداً، حتى اليوم، وهي الفترة التي يمكن تسميتها بالعصر الحديث للسلة اللبنانية التي انتقلت خلالها اللعبة لتفرض حضورها على الساحتين العربية والآسيوية وتالياً العالمية. ومن دون شك دفع الاجانب عجلة التطور السريع للعبة كرة السلة في لبنان، لتفرض بذلك معادلة جديدة في المنطقة اتعظت من خلالها بلدان كثيرة اخرى، فذهبت الى مزاحمة لبنان في استقدام افضل الاجانب، اضافة الى تجنيس الكثيرين منهم من أجل تعزيز صفوف أنديتها وطبعاً منتخباتها الوطنية.
من الروسي سيرغي تشيبوتكين والاميركي طوني مور اللذين كانا من أول الاسماء التي لمعت مع الحكمة والرياضي في تلك الفترة، بدأت القصة الجميلة التي رسمها اللاعبون الاجانب في الملاعب اللبنانية. ومما لا شك فيه ان أي رياضة اخرى لم يكن بمقدورها مجاراة كرة السلة على صعيد استقدام اجانب تسبقهم سمعتهم أو بنفس الجودة والمستوى المرتفع، وحتى إن بعضهم قضى فترةً طويلة في ملاعبنا وطبعها بطابعه الخاص، أمثال النجم السابق للرياضي مايكل كامبرلاند، ونجمي الحكمة السابقين السنغالي أسان ندياي والنيجيري الراحل محمد آشا، اللذين كانا من أعمدة أول الالقاب العربية والآسيوية للحكمة. ويضاف اليهم اميركي آخر هو طوني ماديسون، وطبعاً المصري اسماعيل احمد الذي بات اسمه مرادفاً لأي صورة جميلة ترتبط بإنجازات الفرق التي لعب لها.

مدارس في لاعبين

منذ التسعينيات أيضاً ترك لاعبون أجانب كثر بصماتهم المؤثرة إيجاباً في ساحة اللعبة، حتى انه يمكن اعتبار ان بعضهم غيّر من مفهومها ومقاربتها، ومن دون مبالغة مستوى لاعبيها المحليين. ويمكن أخذ ماديسون كعيّنة ناجحة لتأكيد هذا القول، فصانع الالعاب الشهير بتسديداته القاتلة من كل الاماكن، ترك دروساً في الشجاعة للاعبين أصحاب القامة القصيرة، وحتى لأولئك الذين يفوقونه حجماً، وذلك عبر براعته في اختراق أي دفاع بسرعة خاطفة.
كذلك جاء مواطنه جو فوغل ليترك دروساً هو الآخر، لا بل كان تأثيره اكبر في اللعبة كونه حصل على الجنسية اللبنانية ودافع عن الوان بلاد الارز في كأس العالم. مع فوغل، اتضح لكثيرين ان اللاعب الذي يشغل المركز الرقم 4 أو الرقم 5 يمكنه ان يكون فعالاً ايضاً بتسديداته، فأصبح لاعب الارتكاز الاميركي المولد أمثولة للاعبين كثر في مركزه، حيث شرعوا في التدرب على تعزيز فعاليتهم من المسافتين المتوسطة والبعيدة، كما هي الحال من تحت السلة.
تأثير الاجانب في اللبنانيين مستمر حتى يومنا هذا، إذ لا شك في ان أداء الكندي مايكل فرايزر أو «ملك الريباوند» يترك نقطةً مهمة تصوّب على تأكيد اهمية الدفاع بشكلٍ متوازٍ مع عنصر التسجيل، فلاعب دفاعي بامتياز مثل فرايزر بات حاجة مطلوبة في كل الفرق، لا بل ان بعض لاعبيها الذين اختلطوا بالاخير دأبوا على التصرّف مثله في الحالة الدفاعية.

نجومٌ متكاملون

بطبيعة الحال، هذا هو دور اللاعب الاجنبي، إذ يفترض ان يفوق حضوره في المباريات تسجيل النقاط أو ترجيح كفّة فريقه، بل ان فائدته الاساسية هي في رفع مستوى اللاعب اللبناني من خلال التدرّب واللعب والاحتكاك معه، وخصوصاً ان هؤلاء الاجانب يأتون من خلفية صحيحة في اللعبة ولديهم من التقنيات ما يمكن ان يُدرّس. والاكيد أن وصول الاميركي كوينسي دوبي سابقاً الى الحكمة يمكن أن يوضع في نفس الاطار، فهو من اللاعبين المتكاملين الذين يتخطى دورهم تسجيل معدل مرتفع من النقاط، ذلك أن قدراته القيادية على أرض الملعب هي من سماته الاساسية، تماماً كما كانت الحال دائماً مع «سمعة» في الرياضي، وهو الذي دأب على مساعدة من هم حوله، لذا يبدو مبرراً سبب إبقاء الرياضي عليه (قبل حصوله على الجنسية اللبنانية) رغم أنه شارف الـ39 من العمر، بحيث لا يزال يقدّم أداءً على أعلى مستوى وكأنه في عزّ الشباب.

كذلك، فإنه على الصعيد البدني تعلّم اللبناني من نظيره الاجنبي، إذ شرع في تحسين بنيته الجسدية ليتمكن من مجاراة القادمين من الخارج، فغصّت صالات اللياقة البدنية بلاعبي كرة السلة الذين أعطوا في الاعوام الاخيرة اولوية لهذا الموضوع حتى خلال توقف الموسم.
وأيّاً يكن من أمر، ورغم مرور لاعبين اجانب يمكنهم خلق المشاكل في الفرق اللبنانية، وكان آخرهم لاعب الحكمة الاميركي تيريل ستوغلين، فان تنوّع المدارس في استقدام هؤلاء، وخصوصاً مع عودة اقتحام رجال اوروبا الشرقية لملاعبنا، اصبح نقطة قوة ايضاً. وهذه الهجمة طبعاً مردّها الى ان الاجانب باتوا يعلمون ان بطولة لبنان هي الاقوى في المنطقة وبين النخبة في آسيا، فلم يعد عنصر المال اولوية لقيامهم بنقلتهم، لا بل باتوا يرون فيها بوابةً يمكنها ان تدرّ عليهم عروضاً افضل مستقبلاً، فكان آخر الوافدين الكبار لاعب المتحد طرابلس حسان وايتسايد الذي يلمع حالياً مع ميامي هيت في الـ «أن بي آي».
الاجانب في سلة لبنان اضافة ايجابية ما دام وجودهم مفيداً أكثر مما هو مضرّ، فالضرر يمكن ان يحصل بقرارٍ خاطئ كذاك الذي يطالب فيه البعض باعتماد ثلاثة منهم على أرض الملعب، ما سينعكس سلباً على اللاعب اللبناني قبل أي شيء آخر.