تواصلت أمس «غارات الحلفاء» على عدد من مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، فيما تعهّدت مجموعة «أصدقاء سوريا» بتقديم ما يزيد على 90 مليون دولار لدعم «المعارضة المدنية التي تعمل من أجل اكتساب القدرة على الحكم». «المانحون» أكدوا أن الملايين ستُقدّم إلى «المعارضة المسلحة المعتدلة والمعارضة المدنية».
هذا النوع من «الدعم» لا يُعتبر جديداً، لكنّ الإعلان عنه في هذا التوقيت يستدعي البحث في «المجموعات المعتدلة» التي يُتوقع أن يشملها، خاصةً بعد أن سقطت مجموعات عدة من «قطار الدعم»، في ضوء المستجدات. بات جلياً أن ورقة «الجبهة الإسلامية» قد أُسقطت نهائياً، فيما رسم الموقف الأخير لـ«حركة حزم» من الغارات إشارات استفهامٍ كبيرة، خاصة أنها كانت على رأس المجموعات المرشحة لتصدر المشهد. ولا يمكن في حال من الأحوال إسقاط الحديث المتكرر عن مجموعات من المسلحين تمّ تدريبهم في معسكراتٍ داخل الأراضي الأردنية والسعودية من حسابات المرحلة القادمة. كذلك تؤكد معلومات حصلت عليها «الأخبار» وجود دور أساسي مرسوم لـ«عدد غير قليل من مقاتلي الجيش الحر الذين غادروا إلى تركيا في فترات سابقة». في الوقت ذاته، ما زالت بعض المجموعات داخل سوريا متماسكةً، وتحتفظ بـ«أهليتها» لتكونَ جزءاً من كيان يُمثل «الحصان الأسود». مقاتلٌ سابق في «الجيش الحر» يقيمُ منذ حوالى عام في تركيا أكّد لـ«الأخبار» أنّ «معظمَ الضباط وصفّ الضباط الموجودين هنا يعلمونَ منذ قدومهم أنّ المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد». وفي ظلّ تحفظه على الإدلاء بمعلومات تفصيلية، يكتفي بالقول: «علاقتنا بالسلاح وبتكتيكات المعارك لم تتوقف أبداً. ونهاية هذا النظام ستكونُ على أيدينا، وأيدي آلاف من المقاتلين المعتدلين الشرفاء». ومن المرجح، وفقاً لمعلومات وتحليلات، أن «الداعمين» سيعتمدون في مراحل قادمة على مزيجٍ من مسلحي الخارج والداخل بعدَ أن يتم تشكيل «قيادة جامعة»، بحيث يتولى القادمون من الخارج قيادة مجموعاتٍ تضمّ «مقاتلي نخبة» ممن تلقوا تدريباً في الخارج، وآخرين متوزعين في معظم المناطق السورية، ضمن كيانات لم تصطبغ بالصبغة «الجهادية» بشكل علني، تتربّع على رأسها «جبهة الأصالة والتنمية» التي أُعلن تشكيلها في أواخر عام 2012 على أنها «تمثل الاسلام الوسطي المعتدل» وما لبثت لاحقاً أن فقدت كثيراً من مكوناتها، وكان أبرزها «كتائب نور الدين زنكي» التي تحولت أخيراً إلى «حركة». ومن المُنتظر أن تُعيد المرحلة القادمة «لمّ الشمل» مع «أفضلية قيادية» هذه المرة لـ«الزنكي»، التي باتت واحدة من أقوى المجموعات وأكثرها تنظيماً في الجبهة الشمالية (حلب وريفها). كذلك تحتفظ «جبهة ثوار سوريا» التي يقودها جمال معروف (الذي يتمتع بسمعة سيئة في معظم الأوساط) بحظوظ وافرة، خاصةً في حال تمّ تغييب قائدها عن المشهد باغتيال أو سواه. ورغم مسارعة حمزة الشمالي، «قائد حركة حزم»، إلى إصدار بيان يُندّد بضربات التحالف، غير أن مصدراً داخل «الحركة» يؤكد لـ«الأخبار» أن «البيان لا يعكسُ موقف كل مكونات الحركة. وهناك عدد من قادة الحركة ينظرون إلى المستجدات من زاوية مغايرة». ووفقاً للمصدر، فإنه «ليس من المستبعد أن نشهد قريباً انفصالاً لبعض مكونات الحركة»، ومن شأن ذلك أن يضعَ بعض مكوناتها على لائحة المرشحين للانضمام إلى «الحلف» القادم. «لواء الحرمين الشريفين» بدوره يُعتبر أحد أبرز المرشحين للعب دور أساسي على الجبهة الجنوبية. وسبقَ أن تحدثت تقارير إعلامية عدة عن علاقات وطيدة تربط بين «اللواء»، وجهات خارجية، من بينها إسرائيل. ويُعتبر «الحرمين الشريفين» من أفضل المجموعات تسليحاً في الجنوب السوري. كذلك تضم قائمة المرشحين عدداً من المجموعات الصغيرة التي ينضوي بعضها في كيانات أكبر، ويحافظ بعضها على استقلاليته من دون فاعلية كبيرة حتى الآن، ومنها «جبهة الحق» و«لواء العاديات» و«الفرقة التاسعة عشرة في الجيش الحر»، إضافة إلى «كتائب الوحدة الوطنية».

«غارات التحالف» تتوسع نحو الحسكة

ميدانياً، واصلت «قوات التحالف» لليوم الثالث استهدافها لعدد من مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» في كلّ من دير الزور والرقة والحسكة. الأخيرة انضمت إلى قائمة المناطق المستهدفة بعد أن طالت صواريخ «توماهوك» مقار «الدولة» في دوار مركدة، وغريبة، وأبو فاس في الريف الجنوبي للمحافظة، كما تم استهداف صوامع تل حميس وقرية مثلوثة، في ريف مدينة القامشلي. كذلك استهدفت غارات جوية بئر الحسيان النفطية في مدينة البوكمال في ريف دير الزور، والميادين وبقرص (ريف دير الزور الشرقي)، في مواصلة لاستهداف آبار النفط السورية الواقعة تحت سيطرة التنظيم. «البنتاغون» كان قد أعلن أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة قصفت مساء الأربعاء 12 مصفاة نفطية يسيطر عليها التنظيم شرق سوريا. الرقة كانت بدورها مسرحاً لغارات جوية، طاولت مواقع «داعش» في مدينة تل أبيض وبلدة سلوك في الريف الشمالي ومعسكرا للتنظيم جنوب قرية العكيرشي في الريف الشرقي، فيما استهدف صاروخ توماهوك «اللواء 93» في عين عيسى في الريف الشمالي، وشهدت سماء مدينة الطبقة في الريف الغربي تحليقاً مكثفاً لطائرات الاستطلاع. وتتالت مواقف المجموعات المنددة بالغارات، وكان أبرزها في هذا السياق بيان صادر عن «الجبهة الإسلامية». اللافت أن البيان ذُيّل بتوقيع عدد من مكونات «الجبهة»، ليس من بينها «جيش الإسلام»، ما يعكس عدم وجود موقف موحّد تجاه المستجدات.
في الأثناء، واصلت كل من «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» أمس إخلاء مقار لهما في أرياف حلب وإدلب واللاذقية، فيما انخفضت وتيرة المعارك بين تنظيم «داعش» ومجموعات «غرفة نهروان الشام» في ريف حلب الشمالي. وأكدت مصادر ميدانية معارضة أن «المعارك كادت تتوقف بشكل كامل»، في ما يبدو أنه ناجمٌ عن إعادة المجموعات «الجهادية» حساباتها، إثر استهداف الغارات لـ«جبهة النصرة». وفي هذا السياق، توقعت مصادر «جهادية» أن تحذو معظم المجموعات حذو «كتيبة أنصار الشريعة». الأخيرة كانت قد أعلنت وقف قتال ومعاداة تنظيم «الدولة» إثر «اجتماع ملة الكفر من بني الأصفر على قتال التنظيم»، وفقاً لبيان صادر عنها.