لاري إليسون... احفظوا هذا الاسم

صورة مُنشأة عبر الذكاء الاصطناعي
صورة مُنشأة عبر الذكاء الاصطناعي


إذا كانت هناك كلمة تلخّص مسيرة مؤسس شركة «أوراكل» (Oracle)، لاري إليسون، فهي «التباهي». هذا الرجل، الذي يُعدّ واحداً من أغنى البشر على وجه الأرض بثروة تبلغ 175 مليار دولار، لم تكن حياته سوى سلسلة من الرحلات بين القصور الفاخرة واليخوت العملاقة وصفقات الشركات التي لا تنتهي. لكن بعدما استهلك كل ما يمكن أن تشتريه الأموال، وجد هوايةً جديدةً: السيطرة على الإعلام، بدءاً من تيك توك.

شخصية غريبة الأطوار تعشق أن تكون محور الاهتمام. في التسعينيات، كان معروفاً بمواقفه الساخرة وإدارته بأسلوب «السخرية» (Management by ridicule) كما يسميها. كان ينظر إلى نفسه باعتباره إلهاً تقنياً صغيراً، حتى إن أحد الكتب التي كُتبت عنه حمل عنواناً ساخراً: «الفرق بين الله ولاري إليسون هو أن الله لا يعتقد أنه لاري إليسون».

في عام 1977، أسّس إليسون مع اثنين من زملائه في شركة Amdahl مختبرات لتطوير البرمجيات. وسرعان ما حصلوا على عقد لبناء نظام إدارة قواعد بيانات - أطلقوا عليه اسم «أوراكل» - لمصلحة وكالة الـ CIA.

في ذلك الوقت، كان لدى الشركة أقل من عشرة موظفين وإيرادات تقلّ عن مليون دولار سنوياً. لكن في عام 1981، وقّعت شركة IBM عقداً لاستخدام «أوراكل»، ما أدى إلى مضاعفة مبيعاتها سنوياً لمدة سبع سنوات. لم يمضِ وقت طويل حتى قرّر إليسون إعادة تسمية الشركة باسم منتجها الأكثر نجاحاً: «أوراكل».

لكن الملياردير المولود في حيّ برونكس في نيويورك لأم يهودية عام 1944، لم يعد اليوم رجل الأعمال الشاب الباحث عن المتعة أو بناء القصور الفاخرة. لقد أصبح «مُصلحاً عالمياً»، أو على الأقل، هذا ما يبدو أنه يريد أن يجعلنا نصدّقه. في مقابلة مع مجلة «فانيتي فير» عام 1997، قال: «الطريقة الوحيدة التي أعرفها لأشعر بتحسن هي أن أجعل العالم أفضل». لكنه أضاف فوراً: «لا تخلطوا ذلك مع الإخلاص؛ إنها الأنانية. أدعوها أنانية مستنيرة».

بالطبع، عندما يقول إليسون إنه يريد «إصلاح العالم»، فإن ما يعنيه هو تحويل المجتمع إلى نظام مراقبة ضخم تُسجَّل فيه كل حركة وكل نفس بواسطة الذكاء الاصطناعي. في العام الماضي، أعلن أمام مستثمري «أوراكل» عن خطته لإنشاء مجتمع يكون فيه المواطنون دائماً في «أفضل سلوكهم» لأن «كل شيء يجري تسجيله وتحليله». يا لها من ديستوبيا مشرقة!

وإذا كنتم تعتقدون أنّ إليسون سيتوقف عند فكرة المراقبة الشاملة، فأنتم مخطئون. تتضمن خطته الطموحة أيضاً دمج آلاف قواعد البيانات في مستودع إلكتروني ضخم يمكن استغلاله بواسطة الذكاء الاصطناعي. في ندوة أقيمت في دبي في شباط (فبراير) الماضي، قال إليسون لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إن هذا المشروع «سيشفي الأمراض ويصلح كل شيء آخر». وأضاف بثقة: «أعتقد أن هذا سيجعل المواطنين أكثر سعادة».

لكن، هل يمكننا حقاً الوثوق برجل مثله ليقودنا نحو هذه «الأرض الموعودة»؟ بالنظر إلى تاريخه، فإن الإجابة هي: «لا». في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، جرت تسوية قضية جماعية ضد «أوراكل» بتهمة جمع بيانات الأفراد من دون إذن وبيعها بشكل غير قانوني. وافقت الشركة على دفع 115 مليون دولار، ولكن بالطبع، من دون الاعتراف بأي ذنب. بالنسبة إلى إليسون، الخصوصية ليست سوى عقبة صغيرة في طريق تحقيق طموحاته الكبرى.

الآن، ومع اقتراب الموعد النهائي لصفقة تيك توك، بعد تهديد الولايات المتحدة بفرض بيع التطبيق على شركة «بايت دانس» الصينية المالكة له أو مواجهة حظره، يضع إليسون نفسه في موقع يمكّنه من أن يصبح «ملك الإعلام الجديد».

الصفقة هي محاولته لدخول عالم الإعلام الجماهيري الذي يسيطر عليه الشباب اليوم. تيك توك، مع 1.5 مليار مستخدم نشط شهرياً، تطوّر من منصة لمشاركة الفيديوهات القصيرة إلى عقل جمعي يأخذ منه الشباب الأخبار والمعلومات من خارج رقابة وسائل الإعلام السائدة. والكل يذكر كيف كان التطبيق أساسياً في نقل مشاهد الإبادة في غزة إلى العالم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا ما دفع «آيباك» إلى محاكمة تيك توك عبر تقديم النائب الأميركي المدعوم منها، مايك غالاغر، مشروع حظر التطبيق، بعد انطلاق التظاهرات الشبابية في الجامعات الأميركية، وتحول «إسرائيل» في عقل الشباب إلى كيان احتلال.

لكن هذا ليس كل شيء. إليسون في صدد الاستحواذ على شركة «باراماونت» (Paramount)، المالكة لاستوديوهات هوليوود العريقة، بالإضافة إلى شبكات مثل CBS وMTV وغيرها من المنصات التي تنتج الأخبار والمحتوى وسيسلمها لابنه ديفيد. وإذا حصلت هذه الصفقة على موافقة الجهات التنظيمية، فإنّ إليسون سيكون قد وضع قدمه بقوة في قلب صناعة الإعلام الأميركي، التقليدي والرقمي على حدّ سواء.

ومن هنا يمكن فهم: لماذا يريد تيك توك؟ لأن إليسون يريد أن يكون ذا صلة بالثقافة الشعبية، تماماً مثل إيلون ماسك مع «تويتر» (أو «إكس» كما يُسمى الآن). أي إن المحتوى التوعوي الذي يصل عبر هذه المنصة إلى الشباب والجيل Z تحديداً، سيكون في قبضة إليسون.

العلاقة المشبوهة مع ترامب

لا يمكن الحديث عن دور إليسون في تيك توك من دون ذكر العلاقة المشبوهة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في كانون الثاني (يناير)، ظهر إليسون في البيت الأبيض خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» (Stargate)، وهو مشروع لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي العام (AGI). وعندما سُئل ترامب عمّا إذا كان إيلون ماسك قد يشتري تيك توك، رد قائلاً: «أريد أن يشتريه لاري أيضاً».

هذا لم يكن مزاحاً. يعرف ترامب جيداً أن إليسون لاعب إستراتيجي يسعى إلى توسيع إمبراطوريته التكنولوجية والإعلامية. ومن الواضح أن الملياردير، الذي كان في البداية متردداً في دعم ترامب، أصبح الآن أقرب إليه من أي وقت مضى. ربما لأنه يدرك أن ترامب يمكن أن يكون مفتاح دخوله إلى عالم الإعلام والسياسة.

إذا نجح إليسون في صفقة تيك توك، وإذا حصل على موافقة الجهات التنظيمية لاستحواذه على «باراماونت»، فإنّ على الشباب العالمي الاستعداد لمواجهة قطب تكنولوجي جديد يسعى إلى تدمير آخر معاقل حرية التعبير في عالم منصات التواصل، تماماً كما فعل ماسك بـ«تويتر». وسيتحول تيك توك إلى منصة تنشر سردية ترامب وأنصاره، بشكل يعيد صياغة واقع المعلومات التي يتلقاها الملايين حول العالم.

يبقى الأمل معقوداً على جيل الشباب، فهم القادرون على كشف زيف هذه الإمبراطوريات الرقمية، وعلى إيجاد طرق جديدة لمقاومة الاستبداد الرقمي. لأن المستقبل، في النهاية، ليس ملكاً لأمثال لاري إليسون، هو ملك لكل من يؤمن بأن الحرية والإنسانية يجب أن تكونا دائماً فوق كل اعتبار آخر.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي