صنعاء | انتهت الحرب في اليمن فعلياً منذ عدّة أشهر، وتضاءلت مؤشّرات عودتها في ظلّ التقارب السعودي - الإيراني، والدخول الروسي والصيني على خطّ إيجاد حلول لها. إلّا أن طيّ هذه الصفحة سيبقى التحدّي الكبير أمام اليمنيين، إلى أن يتمّ الانتقال نحو مرحلة إعادة الإعمار لمعالجة تداعيات الحرب المباشرة وغير المباشرة على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية. وتتطلّب خارطة التدمير الواسعة الشروع في تقييم الأضرار، وإعداد الدراسات اللازمة لإعادة إعمار المنشآت التي تعرّضت لتدمير كلّي أو جزئي، وتقدير التمويلات المطلوبة للبناء من جديد. وحتى الآن، تشير التقديرات الأوّلية الرسمية إلى أن خسائر الاقتصاد اليمني المباشرة وغير المباشرة تتجاوز الـ150 مليار دولار، إذ قدّر البنك الدولي، خلال مشاركته في «المنتدى الاقتصادي العالمي» الذي عُقد في البحر الميت في الأردن الشهر الماضي، التمويلات اللازمة لإعادة الإعمار في اليمن بـ100 مليار دولار، فيما لم يتحدّث عن مصادرها أو عن موعد انطلاق هذه العملية التي يعوّل عليها الكثيرون في توفير فرص عمل وتحسين مستويات الدخل الوطنية وإحداث حَراك تجاري في البلد ورفْع مؤشّرات النمو الاقتصادي.إلّا أنه وفقاً لتعقيدات الأزمة اليمنية، فإن الانتقال نحو إعادة الإعمار لا يمكن أن ينجح من دون إنهاء الانقسام السياسي والاقتصادي وتوحيد السياسات المالية والنقدية، وتأهيل شركات محلّية للمشاركة الفاعلة في هذه المرحلة، وإعداد خارطة طريق تعزّز الأمن والاستقرار، وتنهي آثار الحرب كافة على الطرقات العامّة وتتيح إعادة تصدير الغاز والنفط. وممّا يعزّز أهمّية تلك الخطوات حقيقة أن الأضرار طاولت معظم مرافق الحياة، بما يشمل المطارات والموانئ ودور العبادة والمستشفيات، فضلاً عن استهداف أكثر من 400 مصنع ومعمل إنتاجي كانت تعمل في مجال صناعة الغذاء والدواء والبتروكيماويات. وتقدّر الغرف الصناعية في صنعاء، الخسائر الناتجة من ضرب المصانع بأكثر من 700 مليار ريال يمني (الدولار يساوي 554 ريالاً)، وترى أن إعادة تلك المرافق إلى العمل تُعدّ من أوّليات إعادة الإعمار من أجل تخفيف فاتورة الاستيراد الأجنبي. وفيما لم يستثنِ التدمير مشاريع وشبكات المياه، و340 محطّة كهربائية ومولّداً، وشبكات الطاقة، تُبيّن إحصائية حديثة حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أن إجمالي الأبراج ومباني السنترالات والشبكات المستهدَفة تجاوزت 2000 شبكة ومحطّة. كما جرى ضرْب العشرات من الجسور الرابطة بين المحافظات، وعشرات المدارس الخاصة بالتعليم العام أو التعليم المهني والتقني.
تشير التقديرات الأوّلية الرسمية إلى أن خسائر الاقتصاد اليمني المباشرة وغير المباشرة تتجاوز الـ150 مليار دولار


وعلى مدى السنوات الماضية، حاولت السعودية فرْض أجندتها للإعمار في المحافظات الجنوبية عبر برنامج أطلقت عليه «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، مموّلةً مشاريع شبه وهمية بمليارات الريالات. وفي المقابل، تقوم رؤية قيادة صنعاء على ضرورة أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بالتزام المملكة بتمويل هذه العملية كتعويضات حرب، فيما تُراهن حكومة عدن على الأمم المتحدة في تنظيم مؤتمر دولي للمانحين تشارك فيه الرياض وأبو ظبي لحشد التمويلات اللازمة للبناء. أمّا القطاع الخاص اليمني فاقترح خطّة، أواخر العام الماضي، تنصّ على إنشاء صندوق عام تشارك فيه الحكومة والقطاع الخاص والمانحون، وكذا إنشاء بنك للاستثمار وإعادة الإعمار على شكل شركة مساهمة عامة تشارك فيها الحكومة والبنوك والأفراد، بالتزامن مع إنشاء صناديق استثمارية متخصّصة على مستوى المحافظات، وصندوق ائتماني دولي بإشراف الدول والمنظّمات المانحة. وأبدى «الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية» استعداده للمساهمة في توفير جزء من التمويل اللازم لعملية الإعمار عن طريق الجهاز المصرفي الرسمي أو عبر وسائل تمويلية أخرى، كإنشاء الشركات المساهمة أو الاستثمار في السندات الحكومية والصكوك وغيرها من وسائل التمويل، بالإضافة إلى اشتراكه في توفير السلع ومستلزمات الإنتاج والخدمات اللازمة للعملية، ما يتطلّب تأمين ظروف مناسبة للقيام بهذه المهام.
وفي ظلّ تصاعد دعوات منظّمات المجتمع المدني إلى التحضير لمرحلة إعادة البناء، وتشكيل تحالف بين شركات المقاولات المحلّية من أجل الإسهام الفاعل في تنفيذ المشروعات الكبيرة، ومنافسة الشركات الأجنبية في مجال تحقيق التعافي بما يحدّ من مخاطر تجدّد الصراع، ومعالجة أزمة البطالة بتشغيل الكوادر والأيدي المحلّية، أفاد مصدر في «اتّحاد المقاولين»، «الأخبار»، بأن كلّ الجهات المعنيّة لا تملك رؤية مشتركة حتى الآن للمشاركة في هذه المرحلة.