مقالات مرتبطة
أدركت السعودية، متأخّرة جداً، أنّ الرهان على استمرار أسطورة «الرئيس الشرعي» خاسر، بل حتى أن الرئيس المُقال أصبح، منذ وقتٍ طويل، عقبةً حقيقية أمام إمكانية خروجها من المستنقع اليمني، فيما تبيّن أنّ الحرب التي شنّتها على اليمن بدعوى إعادته إلى العاصمة صنعاء، أسقطها الشعب اليمني منذ الأشهر الأولى للحرب. ولم يكن الاستمرار بالحرب، طوال السنوات الماضية، إلّا من باب المكابرة والعناد والاستخفاف بقدرة الشعب اليمني والرهان على استسلامه.
مركزة قادة الميليشيات في مجلس رئاسي ستشرعن الكانتونات القائمة وتؤدي إلى تفكيك البلد
افتقدت المملكة، مع مضيّ الوقت، الخطّة السياسية للشروع في مسار اختيار البديل لهادي، في ظلّ استمرار الحرب التي تشكّل تهديداً وجودياً لها. وهي أدارت الأذن الصمّاء لكل ممارساته، وتمسّكت بتعويمه على رغم أدائه الضعيف وسوء إدارته وفساده. والشيء نفسه ينطبق على فريقه، وعلى معظم أعضاء مجلس الرئاسة الجديد، ومنهم مقرّبون من هادي. وفي هذا الإطار، يُنقل عن مسؤولين في المملكة، قولهم، إنّ «الحاجة الشديدة لهادي اقتضت الحفاظ عليه تحت أيّ ظرف. وعندما اكتُشف أنه بات يشكّل عبئاً حتى على مصالحنا، وقفت العاصمة السعودية إزاء ذلك عاجزة عن التخلّص منه وإيجاد البديل». استوطن هادي العقل «الجمعي» لأصحاب القرار في المملكة باعتباره الرئيس المعترف بحكومته دولياً والذي يؤمّن الغطاء القانوني والسياسي للحرب على اليمن، وأن لتنحيته، أو حتى موته، عواقب مدمّرة على جهود الرياض في هذا المضمار. هكذا، بُنيت السردية الإعلامية والسياسية للسعودية، بما اصطلح على تسميته «دعم شرعية هادي». وهو نفسه اعترف، في مقابلة تلفزيونية، بأنه سمع بالحرب في الغيضة، مركز محافظة المهرة، أثناء هروبه من عدن إلى سلطنة عمان في الأيام الأولى للحرب.
على أنّ الضرر الذي مثّله وجود هادي على رأس «الشرعية»، لم يقتصر على السعودية، بل انتقل إلى المعسكر المحلّي التابع لدول التحالف والمناهض لـ«أنصار الله»، إذ واجهت إدارة المملكة الكثير من التحديات داخل هذا المعسكر لم يكن بإمكانها، على رغم تكرار المحاولات، تذليلها. وأثارت الخطوة السعودية انتقادات في صفوف الوكلاء المحليين على أكثر من صعيد، فحذّروا من تداعيات استمرار التحالفات بين المكونات المحسوبة على «التحالف» في المستقبل، فيما يرجِّح مراقبون استحالة التوافق بين هذه المكونات المتقاتلة مناطقياً والمتباعدة عقائدياً. وفي هذا السياق، قال وزير النقل السابق، صالح الجبواني، إنّ قيام التحالف السعودي - الإماراتي بإيصال «الشرعية» إلى مرحلة الإهلاك الكامل، ثم الانقلاب عليها ومركزة قادة ميليشياتها في مجلس رئاسي غير دستوري يقود الدولة، سيشرعن الكانتونات القائمة وسيقود عملية تفكيك البلد، وصولاً إلى مرحلة التقسيم اللاحقة، إن لم ينفجر قبل إتمام هذه العملية لعدم تجانسه. وفكرة مجالس الرئاسة في اليمن قديمة، إذ تمّ اللجوء إليها سبع مرات منذ عام 1962 وجميعها فشل في تحقيق الأهداف التي شُكِّلت من أجلها. وحديثاً، وخصوصاً في الحرب على اليمن، طُرحت هذه الفكرة أكثر من مرّة في المداولات السياسية، بما فيها المفاوضات التي جرت في الكويت عام 2016 بين السعودية وممثّلين عن «الشرعية» من جهة، ووفد صنعاء من جهة أخرى، لكن اشتراطات السفير الأميركي لدى اليمن حالت دون الوصول إلى اتفاق.