طهران | على رغم مضي 9 سنوات على الاتفاق النووي الإيراني، ومع أنه لم يتبقّ منه سوى اسمه بعد الانسحاب الأميركي منه وعودة العقوبات على طهران وخفض الأخيرة التزاماتها النووية بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، بيد أنه لا يزال يشكّل مادة جدلية في الحياة السياسية الإيرانية، بما في ذلك بين المرشّحين لهذه الدورة من الانتخابات الرئاسية، المقرّرة يوم الجمعة المقبل. ودخل الاتفاق النووي على خطّ النقاشات الانتخابية، حينما جلس وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إلى جانب المرشّح عن التيار الإصلاحي، مسعود بزشكيان، بوصفه مستشاراً له، في إحدى الطاولات المستديرة الانتخابية، ليدافع دفاعاً مستميتاً عن الاتفاق، ويردّ على انتقادات حادّة وجّهها إليه أحد الخبراء المشاركين في الطاولة. وهاجم ظريف منتقدي الصفقة، متهماً البرلمان الإيراني برئاسة محمد باقر قاليباف، أحد المرشحين الرئاسيين الحاليين، بأنه «أربك مسار الاتفاق عن طريق التصويت على قانون، في نهاية عهد إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي كان يسعى لإحيائه». وفي الأيام التالية، شارك ظريف بوصفه داعماً لبزشكيان، في المهرجانات الانتخابية في المدن الإيرانية المختلفة، فيما دفع حراكه وتصريحاته، بمعارضي الاتفاق، بمن فيهم معظم مرشحي التيار الأصولي، إلى الإدلاء بتصريحات ضدّ بزشكيان وظريف والاتفاق النووي والسياسة الخارجية لإدارة روحاني، واعتبار المرشّح الإصلاحي بمثابة «تتمّة لحكومة روحاني».واستمرّ هذا الجدل خلال الأيام الماضية، إلى أن عُقدت المناظرة التلفزيونية الرابعة، مساء أول من أمس، بين المرشّحين الستة، والتي شكّلت «السياسة الخارجية»، ولا سيما الاتفاق النووي، موضوعها الرئيسي. واصطفّ المرشحون الستة في هذه المناظرة، في قطبَين منفصلَين، أحدهما مؤيد للاتفاق، والآخر معارض له. وفيما كان بزشكيان الشخص الرئيسي في القطب الداعم لـ»خطة العمل الشاملة المشتركة»، فهو كشف عن أنه سيعيّن ظريف وزيراً للخارجية في حكومته، في حال فاز بالرئاسة. واعتبر المرشح الإصلاحي، الذي يقود استطلاعات الرأي، أن «إحياء الاتفاق النووي وانضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي (FATF)، ضروريان لمعالجة المشكلات الاقتصادية» في البلاد، قائلاً ردّاً على الانتقادات الموجهة إلى الاتفاق: «إنْ كان هذا الاتفاق سيئاً، فليقولوا إنهم لن يستمروا في تنفيذه وما هو بديلهم عنه». كذلك، دعا إلى تطبيع العلاقات مع العالم، مؤكداً أنه يريد «إرساء منطقة قوية وتمتين الأخوّة مع بلدان الجوار»، وأن «القوة الدفاعية وقوة الردع للحرس الثوري والجيش، هما مبعث فخر لإيران».
كشف بزشكيان أنه سيعيّن محمد جواد ظريف وزيراً للخارجية في حكومته، في حال فاز بالرئاسة


من جهته أيضاً، دافع مصطفى بور محمدي، المرشح الأصولي الذي كان وزيراً للعدل في عهد إدارة روحاني، عن الاتفاق النووي، موجّهاً انتقادات لاذعة إلى سعيد جليلي، المرشح الأصولي الآخر الذي يُعدّ من الوجوه البارزة المعارضة للاتفاق. وقال إن إيران واقعة لسنوات في «فخ العقوبات»، وإن الصفقة هي بمثابة «محاولة للتخلّص من هذا الفخ». كما اتّهم بعض المرشحين، بالقول إنهم «معبّدو الطريق للعدو»، وإنهم «بقصد أو من دون قصد، وبوهم أو جهل مركّب، تسبّبوا بالمزيد من المصاعب والمشاكل على خلفية العقوبات، واعتبروا أن العقوبات تمثّل فرصة». وأشار بور محمدي إلى الفترة التي تولّى فيها جليلي منصب أمين «المجلس الأعلى للأمن القومي»، وكان كبير المفاوضين النوويين في إدارة أحمدي نجاد، متسائلاً: «لماذا لم تتّخذوا إجراءات للحدّ من استصدار قرارات الأمم المتحدة التي زادت الطين بلة بالنسبة إلى الشعب؟ لماذا سمحتم بالتصويت عليها؟ أنتم كنتم أصحاب المناصب والمسؤولية. لِمَ لم تستخدموا خبرتكم وقدرتكم التفاوضية؟ إن العقوبات هي التي أدت إلى أن ترضخ إيران للاتفاق النووي».
في المقابل، كان المرشحون الأصوليون الأربعة: سعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف، وأمير حسين قاضي زادة هاشمي، وعلي رضا زاكاني، على موعد مع توجيه انتقادات لاذعة إلى الاتفاق النووي وإدارة الرئيس السابق، التي اعتبروا أن بزشكيان «تتمة لها». وقال جليلي: «البعض أبادوا السياسة الخارجية. يجب أن يتحمّلوا المسؤولية أمام الشعب، لكنهم لا يتّفقون مع أيّ أحد. إن وجهة النظر التخصصية تقول إن العقوبات لم تُرفع. لقد بددتم ثماني سنوات من فرصة جني واستجلاب العملة الأجنبية». ومن جانبه، اعتبر قاليباف أن مجيء بزشكيان إلى السلطة، يعني «العودة عشر سنوات إلى الوراء، وعودة الخلافات بين الناس، وأيضاً هوة بين الحكومة والشعب، وخلافات مع المرشد الأعلى». أيضاً، اعتبر قاليباف، فكرة «الإجراء مقابل الإجراء» بمثابة نموذج للمحادثات التي ترمي إلى رفع العقوبات، وهو كان يقصد أن إيران ستقلّص بعض أنشطتها النووية في مقابل رفع العقوبات.
أمّا زاكاني، فاتهم هو الآخر إدارة روحاني بـ»استجداء الغرب»، وقال إن «البعض لم يقولوا الصدق للشعب عندما قالوا إن جميع العقوبات ستُرفع». وانتقد قاضي زادة هاشمي، بدوره، مواقف بزشكيان ودعْم ظريف له، لافتاً إلى أن «الذين يريدون الحصول على أصوات مرّة أخرى عن طريق الوعد برفع العقوبات، لم يتمكّنوا من رفعها أصلاً». واعتبر أن العقوبات هي جزء من الإستراتيجية الأمنية الأميركية، مؤكداً في الوقت ذاته أن «الأصوليين هم القادرون على الدخول في مفاوضات مع دونالد ترامب من منطلق القوّة». ورأى قاضي زادة هاشمي، الذي كان مساعداً لإبراهيم رئيسي، أن «استعادة العلاقات بين إيران ودول الجوار، بما فيها السعودية، والانخراط في عضوية منظمات من مثل بريكس وشنغهاي، تُعدّ من نقاط قوّة إدارة رئيسي ووزير خارجيته الفقيد حسين أمير عبد اللهيان».
وفي سياق متصل، دعا المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إلى «مشاركة قصوى» في الانتخابات الرئاسية، قائلاً في كلمة ألقاها أمس، إن «كل مَن يتطلّع إلى إيران قوية، يجب أن يشارك في الانتخابات»، لأن البلاد «تنتصر على عدوها عبر الانتخابات، والمشاركة الشعبية هي جوهر الجمهورية الإسلامية. ففي الانتخابات التي تكون نسبة المشاركة منخفضة، نرى أن العدو يناور عليها بقوة». وتابع خامنئي: «على المرشحين أن يتعهّدوا بأنهم إذا نجحوا، ألّا يستفيدوا من الأشخاص الذين هم بعيدون عن الثورة، ومن يتوهّم أنه من دون فضل أميركا لا يمكن اتخاذ أيّ خطوة، فإن مثل هذا الشخص لا يستطيع أن يدير الأمور بشكل جيد».