لندن | اتفقت كييف وحلفاؤها الغربيون على صيغة مخفّفة للإعلان الختامي لـ"مؤتمر السلام في أوكرانيا"، والذي تكرّرت فيه الإشارة إلى "وحدة الأراضي الأوكرانية" على الحدود الدولية المعترف بها قبل عام 2014، فيما فشل المؤتمر في صياغة أيّ تصوّر واقعي حول الكيفية التي ستنتهي بها الحرب. ورفضت 12 دولة من بين 92 أرسلت وفوداً للمشاركة في المؤتمر، التوقيع على الوثيقة التي كان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يأمل في أن تكون بمثابة التزام عالمي حول شكل اليوم التالي لانتهاء الأعمال القتالية، وذلك استناداً إلى نقاطه العشر التي أعلنها في تشرين الثاني 2022. ونقلت وسائل الإعلام البريطانية عن زعماء حضروا القمّة التي عُقدت نهاية الأسبوع في منتجع بورجنشتوك السويسري، قولهم إن محاولة إلقاء اللوم على روسيا في الحرب، لم تساعد في جسر الهوة بين مواقف الغرب الموحّد وراء الراعي الأميركي، مقابل دول الجنوب المشاركة، وإنْ كان الجميع أعرب عن رغبته في التوصّل إلى نهاية للحرب. وكانت الصين، أكبر حلفاء روسيا، امتنعت عن المشاركة في أعمال المؤتمر، وكذلك فعلت العديد من دول العالم النامي، فيما اكتفت البرازيل بالحضور بصفة مراقب، واختارت الهند وجنوب أفريقيا والسعودية والإمارات، من جهتها، إرسال وفود ذات مستوى تمثيلي منخفض. وفي حين لم تُدع روسيا إلى المؤتمر الذي عدّته "طريقاً لا يؤدي إلى أيّ مكان"، حضر معظم قادة دول "الناتو"، على الرغم من تغيّب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي أوفد نائبته كامالا هاريس. وبحسب الحكومة السويسرية، فإن الهند وجنوب أفريقيا والسعودية والإمارات وتايلاند وإندونيسيا والمكسيك والبرازيل، لم توقّع على الإعلان الختامي الذي تضمّن مسائل تفصيلية مثل الدعوة إلى إطلاق سراح جميع أسرى الحرب، وحماية المدنيين، وتأمين ممرّات تصدير الحبوب، وتأمين محطّة زابوروجيا للطاقة النووية، لكنه قصّر عن وضع خطوات لإنهاء الحرب.
ومع ذلك، فإن زيلينسكي تبجّح بـ"نجاح القمّة"، قائلاً أمام ضيوف المنتجع السويسري: "إنَّ عالماً موحَّداً هو عالم السلام، عالم يَعرف كيف يفعل الصواب". وشكر "كل مَن عمل من أجل هذه القمّة: كل الزعماء، وكل فرق عمل الزعماء ومستشاريهم، وكل الدول"، معتبراً أن "دعم القادة الغربيين وغيرهم في القمّة، يدلّ على أنه يمكن استعادة مفاعيل القانون الدولي، وسنثبت للجميع في العالم أنه يمكن تفعيل ميثاق الأمم المتحدة بالكامل". ومن جهتها، قالت الرئيسة السويسرية، فيولا أمهيرد، إن حقيقة أن "الغالبية العظمى" من المشاركين وافقت على الوثيقة النهائية، "تظهر ما يمكن أن تحقّقه الدبلوماسية". وبدورهم، اعتبر متحدّثون غربيون أن القمة كانت مهمّة لناحية تكريس التضامن الدولي مع أوكرانيا، وتعزيز الالتزام الأوروبي تجاه تزويد كييف بمزيد من السلاح لتمكينها من "تحقيق السلام"، الذي يبدو، من المنظور الغربي، أقرب إلى صورة استسلام روسي كامل.
حضر معظم قادة دول «الناتو»، على الرغم من تغيّب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي أوفد نائبته كامالا هاريس


لكنّ الوقائع على الأرض - على الأقلّ من وجهة النظر الروسية - لا تشير إلى أن "سلاماً أميركياً" من هذا الطراز قريب إلى التحقُّق. فحتى زيلينسكي نفسه، قال للصحافيين إنه سيكون "منفتحاً على الانخراط في محادثات للسلام غداً مع روسيا، إنْ هي سحبت قواتها" من أراضي بلاده. وكان الرئيس الأوكراني يعلّق على مبادرة طرحها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عشيّة القمّة، لوقف العمليات القتالية و"تحقيق السلام"، عارضاً لوقف الهجوم الروسي، انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق الواقعة شرقي وجنوبي البلاد والتي ضمّتها روسيا، وتخلّي كييف عن محاولتها الحصول على عضوية "الناتو". والمبادرة تلك، وصفها الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأنها ليست إنذاراً بقدْر ما هي "مبادرة سلام تأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض"، و"الدينامية الحالية للوضع على الجبهة، تُظهر بوضوح استمرار تردّي الأوضاع بالنسبة إلى الأوكرانيين، إذ من المفترض لسياسي يضع مصالح بلاده فوق مصالحه الشخصية ومصالح أسياده أن ينظر ملياً في هذا الاقتراح"، وفق ما أضاف.
لكنّ حلفاء زيلينسكي كانوا قد سارعوا إلى صرف النظر عن عرض بوتين؛ فقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، إن "اقتراح (السلام) الذي طرحه الرئيس الروسي غير معقول، إذ لا ينبغي على أوكرانيا التخلّي عن الأراضي التي تحتلّها روسيا حالياً فحسب، بل وسيتعيّن عليها التخلّي عن أراضٍ إضافية تقع الآن تحت سيطرتها، وستكون ملزمة أيضاً بنزع سلاحها حتى تكون هدفاً سهلاً للعدوان الروسي في المستقبل"، مضيفاً أنه "لا يمكن أيّ دولة مسؤولة أن تقول إن هذا أساس معقول للسلام. إنه تحدٍّّ لميثاق الأمم المتحدة، وللأخلاق الأساسية، وللحسّ السليم الأساسي". وهو ما كرّرته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، حين قالت إن المؤتمر يجب أن يُطلَق عليه اسم "الطريق إلى السلام" لأن السلام لن يتحقّق بخطوة واحدة، مندّدة بالرئيس الروسي ليس لكونه "غير جادّ في إنهاء الحرب ويصرّ على استسلام حكومة كييف، لا بل يصرّ على الحصول على مزيد من الأراضي الأوكرانية - حتى تلك التي لا يحتلّها اليوم - ويريد نزع سلاح أوكرانيا، وتركها عرضة للعدوان في المستقبل. لن تقبل أيّ دولة أبداً بهذه الشروط الفظيعة".
وكان زيلينسكي حلّ ضيفاً خاصاً على قمّة "مجموعة السبع"، الجمعة، حيث جدّد له الزعماء الغربيون دعمهم الثابت. وأعلن هؤلاء عن خططهم لمدّ أوكرانيا بتمويل جديد بقيمة 50 مليار دولار من خلال تقديم الفوائد المكتسبة على الأصول السيادية الروسية المحتجزة لدى دول الاتحاد الأوروبي، مع التزامهم بإبقاء تلك الأصول مجمّدة حتى تنهي روسيا عدوانها وتدفع ثمن الأضرار التي سبّبتها لأوكرانيا. وستقود الولايات المتحدة العمل مع أوكرانيا في الأشهر المقبلة لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل ترتيب هذا التمويل، لتغطية احتياجات كييف العسكرية وإسناد الميزانية العامة وإعادة الإعمار. وبعدما أعلنت واشنطن عن حزمة جيّدة من أدوات الحصار الاقتصادي ضدّ موسكو، استغلّ بايدن وجوده في قمّة إيطاليا للتوقيع مع زيلينسكي على اتفاقية أمنية ثنائية بين البلدين، تتضمّن تعهدات ملزمة بتعميق التعاون الأمني والدفاعي، والتشاور بينهما في حال وقوع هجوم مسلّح في المستقبل.