ولا شكّ في أنه ستكون لهذه العملية تداعيات كبيرة، ليس أولها تفجير مسار المصالحة الذي بدأ قبل شهر بين حزبَي «العدالة والتنمية» و«الشعب الجمهوري» بلقاء جمع رئيس الأخير، أوزغور أوزيل، إلى إردوغان، وطرحت حوله علامات استفهام كثيرة، وخصوصاً لجهة جدّية الرئيس في ذلك. وكانت الضربة الكبرى لهذه العملية هي الأحكام التي أصدرها القضاء التركي، في الـ 16 من أيار المنصرم، في حقّ قادة الحركة الكردية بالسجن لسنوات تصل إلى 40 عاماً، ومن بينهم صلاح الدين ديميرطاش، الرئيس السابق للحزب الكردي، والمعتقل منذ عام 2017.
يمثّل اعتقال آقيش بعد إقالته، بداية مرحلة أخرى من تصفية قادة الحركة الكردية في تركيا
وأثارت إقالة محمد صديق آقيش واعتقاله، ردود فعل غاضبة شعبية وسياسية؛ إذ خرجت احتجاجات شعبية في شوارع حقاري وفي مدن كردية أخرى، فيما توالت تصريحات قادة «حزب المساواة والديموقراطية» للشعوب، وتدفقت على المدينة وفود مختلف أحزاب المعارضة التركية من أنقرة وإسطنبول. وفيما لم يتوقّف أحد عند تبريرات الإقالة والاعتقال، فإنّ التّهم جاهزة ومعروفة من دون النظر فيها، وهي أن مَن يتمّ اعتقالهم يقومون بالدعاية لـ«حزب العمال الكردستاني». والمثير في قضية آقيش أنها فتحت للتحقيق في بداية عام 2009. وفي عام 2014 رفع قاضٍ، ينتمي إلى جماعة فتح الله غولينت، دعوى ضدّه، ثم ما لبث أن فرّ من البلاد بعد محاولة انقلاب 2016 ضدّ إردوغان.
وأوّل ردود الفعل على ما حدث، جاء على لسان زعيم «الشعب الجمهوري»، الذي رفض القرار وطالب بعودة آقيش إلى منصبه. من جهته، رأى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أن ما حصل «يكسر ثقة الناس بالديموقراطية»، وخصوصاً أن القضيّة عمرها عشر سنوات ولم تنتهِ بعد. أما رئيس بلدية ماردين، أحمد تورك، وهو أحد القادة البارزين في الحركة الكردية، والذي حكم عليه أخيراً بالسجن عشر سنوات، فقال إن قرار الإقالة لن يكسر إرادة الناس، معتبراً أن «السلطة تحفر قبرها بيدها... في بلد لا توجد فيه ديموقراطية يمكن توقّع أيّ شيء». بدورها، رأت رئيسة كتلة نواب الحزب الكردي، غولستان قوتش يغيت، أن ما جرى يشكّل «اعتداءً مكشوفاً على إرادة الشعب، وهو انتقام من نتائج الانتخابات البلدية واستكمال لممارسات حالة الطوارئ المطبقة عمليّاً على الشعب الكردي»، معتبرةً أن «تركيا تدار من قِبَل حزب يرى أنه فوق الدستور والقوانين. يُجري انتخابات ساعة يريد ويقيل رؤساء البلديات المنتخبين ساعة يريد».
والجدير ذكره، هنا، أن أول عملية إقالة وتعيين لرئيس بلدية، وتسمّى بالتركية «قيّم» (تعيين قائم مكان المقال)، جرت عام 2016 بعد محاولة الانقلاب التي قامت بها جماعة فتح الله غولين، لكنها استهدفت المواقع البلدية التي فاز بها الأكراد، فيما حصلت الإقالات الأبرز بعد انتخابات 2019 البلدية، حين أقيل رؤساء بلديات بارزة جداً، مثل ديار بكر وفان وماردين. ويقول وجدي إرباي، في «غازيتيه دوار»، إن «سياسة الإقالات لم تعطِ السلطة النتائج المرجوّة، إذ كان الرد في 31 آذار الماضي بانتصار واضح للأكراد على مرشّحي السلطة في الانتخابات البلدية، ونال حزب العدالة والتنمية النسبة الأقلّ في تاريخه». ووفق إرباي، فإن «السؤال المزمن: كيف يمكن إقالة مَن تمّت الموافقة على ترشيحه أصلاً؟ وكيف يجري تعيين شخص مثل المحافظ رئيساً للبلدية بالوكالة ولا ينتخب آخر يكون عضواً في المجلس البلدي؟».