طهران | مع انتهاء مهلة الترشيح في الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران، أمس، وترشُّح وجوه من مختلف التيارات السياسية لخوض الاستحقاق المرتقب في الـ 28 من الجاري، في أعقاب وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في حادث تحطّم مروحيته، أعلنت لجنة الانتخابات الإيرانية، أنه تم تسجيل 80 شخصاً في الدورة الـ 14 للانتخابات. ومن بين هؤلاء رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، المحسوب على الجناح المعتدل في التيار الأصولي، والذي قال بعد ترشُّحه: «إذا لم أترشّح للانتخابات، فإن العمل الذي بدأناه في السنوات القليلة الماضية لحلّ المشكلة الاقتصادية للشعب ووصل إلى وقت قطاف ثماره، سيبقى غير مكتمل». وعن التيار نفسه، ولكن بجناحه الراديكالي، ترشّح سعيد جليلي، العضو في «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، وكذلك ممثّل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي. والأمر نفسه ينسحب على أمين العاصمة، علي رضا زاكاني، الذي كان قد سحب ترشحه في الدورة السابقة لمصلحة رئيسي، لكنه قرّر خوض غمار التجربة مرة جديدة.أيضاً، ترشّح عدد من الوزراء وأعضاء حكومة رئيسي، من بينهم وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، محمد مهدي إسماعيلي، القريب من الجناح الراديكالي للتيار الأصولي؛ وأمير حسين قاضي زادة هاشمي، رئيس «مؤسسة الشهيد» ومساعد الرئيس في أوراق ترشّحه للدورة الـ 14 من الانتخابات الرئاسية؛ ووزير الطرق والتنمية الحضرية، مهرداد بذرباش، البالغ من العمر 44 عاماً (أصغر وزير في حكومة رئيسي)؛ ووزیر العمل والتعاون، صولت مرتضوي. غير أن القائم بأعمال الرئيس الراحل، محمد مخبر، قرّر، وفق وسائل إعلام إيرانية، التخلّي عن ترشّحه في اللحظة الأخيرة.
في المقابل، ترشّح عن التيار المعتدل، أهمّ وجوهه علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى وعضو «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، الذي شغل منصب رئيس البرلمان لثلاث دورات، فيما يصفه كثيرون بـ»حسن روحاني الثاني». ويدعو الرجل إلى ضرورة تشكيل حكومة «وحدة وطنية» والعمل على «رفع العقوبات». ومن بين المرشّحين أيضاً، عبد الناصر همتي، الرئيس الأسبق للبنك المركزي الإيراني إبان حكومة روحاني، والذي يعدّ أحد أبرز ناقدي إدارة إبراهيم رئيسي، ولا سيما في المجال الاقتصادي، على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. کما تقدّم عباس آخوندي، أحد الوجوه المهمّة في التيار المعتدل، ووزیر الطرق فی حکومة روحاني، بأوراق ترشّحه للانتخابات الرئاسية.
خامنئي: إيران تحتاج إلى رئيس قوي لكي يحفظ مصالح الشعب الإيراني في المعادلات الدولية المعقّدة


ومن أبرز مرشّحي التيار الإصلاحي كذلك، إسحاق جهانغيري، النائب الأول لرئيس الجمهورية في إدارة حسن روحاني والقريب من الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي. وقال جهانغیري بعد تقديم أوراق ترشُّحه: «أنا إصلاحي، لکني أفکّر بشکل وطني. وحلّ القضايا يجب أن يتم من خلال بناء توافق في الآراء بين جميع أركان النظام». أيضاً، ترشّح النائب الحالي في البرلمان، مسعود بزشكيان، ووزير التجارة في إدارة روحاني، محمد شريعتمداري، علماً أنهما من الوجوه القريبة من «الإصلاحي». ووافق الأخير على المشاركة في الانتخابات شريطة تأييد أهليّة واحد من مرشّحيه على الأقلّ. وترشّح، إلى جانب من تقدّموا، الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد، الذي تبيّن بعض استطلاعات الرأي أنه يحظى بدعم شرائح واسعة من الشعب.
بيد أن ترشّح الشخصيات لخوض الرئاسيات لا يعني بالضرورة حسْم مسألة ترشحهم، إذ بعد مرحلة التسجيل، تتّجه الأنظار نحو «مجلس صيانة الدستور» الذي يتولّى مهمّة دراسة أهليّة المرشّحين. وأمام هذا المجلس مهلة تنتهي في الـ 10 من حزيران، للإعلان عن الأسماء التي تم تأييد أهليّتها لتشكل بالتالي القائمة النهائية للشخصيات التي ستخوض الاستحقاق الرئاسي. وتمثّل مرحلة دراسة الأهلية، أكثر المراحل إثارة للجدل في الانتخابات الإيرانية، وهي دائماً ما كانت محلّ تجاذب في المناخ السياسي. ويقول ناقدو أداء «مجلس صيانة الدستور» إن هذه العملية غير شفافة، وتتمّ وفق الأذواق والرغبات، وتؤدي إلى خروج الانتخابات من طبيعتها التنافسية، في حين أن هذا المجلس يرى أن أداءه يتمّ بحسب الأصول، ويرفض وجود أيّ توجّه سياسي لديه أثناء رفض الأهلية، ويورد مثالاً على ذلك أنه تمّ رفض أهلية شخصيات سياسية من التيارَين الأصولي والإصلاحي على السواء.
ولكن، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أثار رفض أهلية كلّ من علي لاريجاني، وإسحاق جهانغيري، ومحمود أحمدي نجاد، جدلاً واسعاً في المشهد السياسي، في حين مثّل رفض مماثل تلقاه الرئيس الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، في رئاسيات عام 2013، أكثر العمليات المشابهة إثارة للجدل على مدى السنوات الأخيرة. أمّا في هذه الدورة، فتظلّ الأنظار شاخصة على دراسة أهلية شخص واحد، هو علي لاريجاني، الذي يمكن أن تؤثّر مشاركته من عدمها على مصير الانتخابات. وإذا ما تم تأييد أهليته، فسيكون لاريجاني المرشّح الرئيسيّ للتيارَين المعتدل والإصلاحي؛ وفي حال رُفضت، فإن التنافس سينحصر داخل التيار الأصولي على الأرجح (بين الأجنحة المتشدّدة وتلك المعتدلة). وفي هذه الحالة، فإن نسبة المشاركة الجماهيرية في الاقتراع ستبقى، كما في الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة السابقة، دون عتبة الـ 50%؛ وأما في حال اتّخاذ الانتخابات طابعاً تنافسيّاً، فيُتوقّع أن تزداد هذه النسبة، علماً أن التجربة تُظهر أن مرشّحي التيارَين المعتدل والإصلاحي هم الأوفر حظّاً للفوز في انتخابات تنافسية.
وعن الاستحقاق المرتقب، قال المرشد الأعلى، آية الله علي الخامنئي، أمس، إن «الانتخابات الرئاسية المقبلة هي استحقاق كبير، وعلى الشعب أن يحافظ على مصالحه، ويجتاز كل العقبات، ويختار رئيساً فاعلاً ومؤمناً بمبادئ الثورة الإسلامية». وأضاف، في مراسم ذکری وفاة مؤسّس الجمهوریة الإسلامیة روح الله الخمیني، أن «إيران تحتاج إلى رئيس قوي لكي يحفظ مصالح الشعب الإيراني في المعادلات الدولية المعقّدة، ويثبت موقعه الاستراتيجي، ويبرز قدراته ومواهبه الطبيعية والبشرية».