عادت قضية تايوان لتسيطر بشكل كبير على الخطاب الرسمي الصيني، أخيراً، في أعقاب تولي عضو «الحزب الديمقراطي التقدمي»، وليام لاي تشينغ تي، مهماته رسمياً كرئيس للجزيرة. ورغم أنّه تمّ انتخاب لاي في كانون الثاني، وسط مؤشرات تفيد بأنّ الأخير سيعمّق من تعاونه مع واشنطن، وتحذيرات، من جانب الصين، آنذاك، من أنّ فوز «الانفصالي المقرب من الولايات المتحدة» سيعقّد الجهود الرامية إلى «إعادة التوحيد السلمي» للجزيرة، فقد التمست بكين في الخطاب الذي ألقاه الرئيس، خلال حفل التنصيب الإثنين، تصعيداً كبيراً، دفعها، الخميس، إلى إطلاق تدريبات عسكرية واسعة النطاق حول الجزيرة، وصفتها بـ«العقابية»، وأعادت عبرها إلى الأذهان المناورات التي أجراها «جيش الشعب الصيني» في أعقاب زيارة نائبة الرئيس الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايبيه في آب 2022. وتحمل المناورات التي تستمر ليومين، اسم «السيف المشترك 2024 آيه»، وهي تشمل 9 مناطق محيطة بالجزيرة، من بينها مضيق تايوان، وشمال الجزيرة وجنوبها وشرقها، بالإضافة إلى المناطق المحيطة بجزر كينمن وماتسو ووتشيو ودونغيين. وفي هذا الإطار، تنقل صحيفة «غلوبال تايمز» عن خبراء قولهم إنّ التدريبات الأخيرة «المصممة لتطويق تايوان من الشرق والغرب، تكشف عن قدرة جيش التحرير الشعبي على ضرب الجزيرة من جميع الاتجاهات، من دون أن تكون هناك أي نقاط عمياء فيها، ما يسمح بـ(تثبيت) الجزيرة من الجانبين». وكان قد أوضح وانغ وينبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحافي الخميس، أن التدريبات المشتركة الأخيرة تهدف إلى «حماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي الصينية»، «ومعاقبة التحركات الانفصالية للقوات الداعمة لاستقلال تايوان»، محذراً «بشدة من أي تدخلات أو استفزازات من القوى الخارجية».
وصفت «غلوبال تايمز» الصينية خطاب لاي بأنّه «بيان استقلال» لتايوان


واقترن الحراك الصيني العسكري بحراك ديبلوماسي، إذ انتقدت بكين، بقوة، عدداً من الدول التي بعثت بتهانيها إلى الرئيس الجديد، ومن ضمنها الدول الـ12 التي لا تزال تقيم علاقات ديبلوماسية رسمية مع تايوان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية، مشيرةً إلى أنّ مثل هذه الممارسات تعدّ بمنزلة «دعم للانفصاليين وتدخل في الشؤون الداخلية للصين». واحتجت السفارات الصينية في كل من اليابان وكوريا الجنوبية، رسمياً، على إقدام الأخيرتين على تلك الخطوة، فيما كان لبريطانيا «حصتها» الوازنة من الانتقادات، بعدما نددت سفارة بكين في لندن بحضور عدد من البرلمانيين البريطانيين، بمن فيهم اللورد روغان، الرئيس المشارك لـ«المجموعة البرلمانية البريطانية – التايوانية»، حفل التنصيب في الجزيرة، معتبرةً أنّ مثل هؤلاء السياسيين يستمرون في إرسال «إشارات خطأ إلى القوات الانفصالية».

خطاب تصعيدي
سبق للاي أن تعهد، في غير محطة، بترويج مبدأ «السلام»، والحفاظ على «الوضع الراهن» في مضيق تايوان. كما وصف نفسه، في السابق، بأنّه «عامل نشيط من أجل استقرار تايوان». وأكّد، في غير محطة، أنّه يعتزم «تعزيز أمن الجزيرة»، عبر زيادة واردات الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا من الولايات المتحدة، وتعزيز الصناعة الدفاعية، عبر زيادة إنتاج الغواصات والطائرات، جنباً إلى جنب تعزيز الشراكات الإقليمية مع «حلفاء تايوان غير الرسميين»، مثل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين. على أنّ أكثر ما أغضب صناع السياسة في بكين، خلال الأيام المنصرمة، هو اللهجة التصعيدية التي وسمت خطاب لاي أخيراً. إذ قال الرئيس الجديد، في خطابه الذي استمر لثلاثين دقيقة، إنّه «يأمل أن تتقبل الصين حقيقة وجود (جمهورية الصين)، وتحترم خيارات شعب تايوان»، «وتتعاون مع الحكومة القانونية التي اختارها الشعب». كذلك، أعلن لاي أنّ «حقبة مجيدة من الديموقراطية في تايوان قد بدأت»، واصفاً الجزيرة بأنها «حلقة مهمة» في «سلسلة من الديموقراطيات حول العالم»، مؤكداً «تصميمه على الدفاع عن سيادتها».
وتعقيباً على هذا الخطاب، أشار مراقبون صينيون إلى أنّ لاي لم يأتِ على ذكر «استقلال تايوان» بشكل مباشر، إلا أنّه صاغ الفكرة بـ«أسلوب آخر»، ما يوضح أنّه سيسير في ذلك الاتجاه. ويتابع أصحاب الرأي المذكور أنّه إلى جانب حديث لاي عن «حكومة منتخبة قانونياً»، والإشارة إلى تايوان باسم «جمهورية الصين»، باعتبار أنها كيان منفصل عن «جمهورية الصين الشعبية»، وزعمه أنّ الطرفين «غير تابعين» لبعضهما البعض، فقد لمّح على الأرجح أيضاً إلى إمكانية «اللجوء إلى القوة لإعلان الاستقلال»، عبر الدعوة في خطابه إلى «رفع مستوى الوعي الدفاعي للمواطنين».
ونشرت صحيفة «غلوبال تايمز»، بدورها، تقريراً نددت فيه بـ«المغالطات والاستفزازات العدائية ضد بر الصين الرئيسي»، مشيرةً إلى أنّ الخطاب الأخير «كشف مرة أخرى عن طبيعة لاي العنيدة كأحد دعاة الاستقلال». كما ذهبت الصحيفة حدّ وصف الخطاب بأنه «بيان لاستقلال تايوان»، داعية مواطني الجزيرة إلى أن «يكونوا يقظين، ويتوحدوا لمعارضة» المشروع المشار إليه.