شكّلت القمّة التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى نظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، في البيت الأبيض أخيراً، محطّة مفصلية على طريق المساعي الأميركية لتعزيز قوّة الردع الخاصّة بالولايات المتحدة وحلفائها في منطقة شرق آسيا. وشهدت القمّة إعلاناً (إعلان واشنطن) نُظر إليه على أنه وثيقة أمنية جديدة بين الحليفَين، فيما وصفه وزير الدفاع الكوري الجنوبي، لي جونغ سوب، بأنه بمثابة «معاهدة دفاع ثانية»، كونه تضمّن خطّة لإطلاق المجموعة التشاورية النووية (NCG) حول قضايا التخطيط النووي والاستراتيجي - على غِرار المشاورات النووية داخل «الناتو» -، وهو ما سيمنح سيول صوتاً أعلى في ما يخصّ الاستعدادات المتعلّقة بالردّ النووي، بينما ستحتفظ واشنطن بالسيطرة على الأسلحة النووية نفسها. كذلك، قضى الاتفاق بتعزيز الأصول الاستراتيجية الأميركية في كوريا الجنوبية، مِن مِثل إرسال غواصة الصواريخ الباليستية النووية (SSBN). وتوصّل الجانبان أيضاً إلى اتفاق ينظّم مسألة أشباه الموصلات في العالم، إذ ذَكرت وزارة المالية الكورية الجنوبية أن سيول وواشنطن «اتّفقتا على إنشاء شراكة متينة في موضوع سلاسل التوريد لصناعة التكنولوجيا المتقدّمة»، واصفة ما تمّ الاتفاق عليه بأنه «أحد أكبر إنجازات زيارة يون التي أدّت إلى توسيع آفاق التحالف بين الجانبَين، من عسكري واقتصادي، إلى تقني متقدّم». ويحمل الإعلان المتقدّم رسائل تحدٍّ إلى الصين على مستويات مختلفة، من بينها المعركة على أشباه الموصلات، عن طريق زجّ سيول، ثاني أكبر منتج للرقائق الإلكترونية في هذه المعركة. كما أن الاتفاق، الذي يبعد كوريا الجنوبية عن سكّة تطوير ترسانتها النووية، ويبقيها تحت المظلّة النووية الأميركية، سيمثّل «حجر عثرة أمام أيّ محاولة صينية للتوسّط في اتّفاق بين الكوريتَين مستقبلاً»، على غِرار التوسّط بين السعودية وإيران، فضلاً عن كونه خطوة متقدّمة إضافية على طريق العسكرة المتزايدة في شرق آسيا، والهادفة في نهاية المطاف إلى تعزيز الطوق المحيط بالصين. من هنا، رأى الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، أن «واشنطن تضع مصالحها الجيوسياسية قبل أمن المنطقة بأكملها»، فيما نقلت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية اعتبارهم أن سياسة يون الخارجية المتطرّفة على نحو متزايد «فقدت التوازن، ومن المرجّح أن تؤدّي إلى خسائر تفوق المكاسب»، ووصفوا نشر أسلحة نووية أميركية في شبه الجزيرة الكورية بأنه «عمل خطير للغاية واستفزازي بالنسبة إلى الصين وروسيا وكوريا الشمالية»، ورأوا أن «واشنطن وسيول ستواجهان انتقاماً استراتيجياً يُحتمل أن يؤدّي إلى أزمة نووية أخرى في المنطقة». وفي هذا الإطار، رأى الخبير العسكري الصيني، سونغ تشونغ بينغ، أن استراتيجية «الردع الموسّع ليست للدفاع عن سيول، بل لاستخدام التطوّر العسكري لبيونغ يانغ كذريعة لنشر الأصول الاستراتيجية الأميركية، وفرْض المزيد من الضغوط على الصين».
رأت بيونغ يانغ أن دخول غواصة نووية إلى منطقتها الحيوية تصعيد كبير


أمّا كوريا الشمالية، التي عدَّت دخول غواصة نووية إلى منطقتها الحيوية تصعيداً كبيراً، فمن المحتمل أن تواجه تلك الخطوة بتصعيد أكبر، سيكون من شأنه إضافة صواعق تفجير جديدة إلى المشهد. وفي هذا السياق، نشر موقع «38 نورث» تقريراً أشار فيه إلى وجود «نشاط كبير» حول مفاعلَين نوويَّين كوريَّين شماليَّين قادرَين على توليد البلوتونيوم المخصّص لصناعة قنابل نووية، وقسم من المحطّة المستخدمة لتخصيب اليورانيوم. ويعني ذلك، أن واشنطن، باتّفاقها مع سيول، عقّدت الأمور أكثر، وخصوصاً أن الاتفاق يزيد من عزلة بيونغ يانغ النووية، ويجلّي فشل الإدارة الأميركية في التفاوض مع كيم جونغ أون، وفق ما يورد الكاتب دوغ باندو في معهد «كاتو». ويرى الكاتب أن رفْض واشنطن التعامل مع الأعداء لبعض الوقت (الاتحاد السوفياتي والصين وكوبا، وأخيراً إيران وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية) - هو «تهوّر كبير». ويخلُص إلى أنه إذا لم تغيّر واشنطن مساراتها، فإن «القمّة المظفّرة مع يون هي، في أحسن الأحوال، انتصار أجوف لواشنطن».
في المقابل، يقلّل محلّلون من إمكانية صمود هذا الاتفاق، وذلك بسبب المشاكل التي سيواجهها طرفاه مستقبلاً. ويقول الباحث سكوت سنايدر، في «مجلس العلاقات الخارجية»، إن «التعهّدات الواردة في إعلان واشنطن موثوقة ومقنعة، لكن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت ستثبت أنها دائمة». ويوضح أنه إذا لم تثبت واشنطن صدقيّتها في مسألة استعمال النووي لحماية سيول، فسيحدث «صدع في التحالف». أمّا الكاتب آدم ماونت، فيرى، في «فورين أفيرز»، أن «مظاهر الصدأ في التحالف» بدأت بالظهور بالفعل مع تصاعد الدعوات في أوساط نخب سيول إلى امتلاك أسلحة نووية، وهو الأمر الذي تأمل واشنطن أن يخفّف من حدّته يون. ووفق ماونت، فإنّ هذه الدعوات المتناثرة تشكّل خطراً جسيماً على الحلف، ما قد «يجبر الأميركيين على تحويل انتباههم بعيداً من الردع إلى منع انتشار النووي، وبالتالي صرف النظر عن المشاكل الأكثر أهمية التي تطرحها كوريا الشمالية والصين». مع ذلك، يقول الكاتب إن الضمان النووي الأميركي لا يبدو أنه «يطمئن الكوريين الجنوبيين أبداً، لكنه يؤدّي فقط إلى المزيد من المطالبة بالضمانات». وبحسبه، فإنّ هناك أدلّة متزايدة على أن الضمانات النووية «تؤجّج مشاكل الحلف أكثر ممّا تصلحها»، بالنظر إلى أنه ليس بإمكان المسؤولين الأميركيين أبداً إثبات عزمهم على استخدام النووي، لأنه لن يُستخدم إلّا كملاذ أخير في حالة عدم وجود خيار تقليدي فعّال مُتاح أمام أميركا. وبناءً عليه، يؤكد ماونت أن «إعلان واشنطن» يَعِدُ «بردّ سريع وساحق وحاسم - ولكن ليس بالضرورة نووياً».