وتحظر إسرائيل تماماً على المستوطِنين الصلاة في الأقصى، وهي أجهضت سابقاً العديد من المحاولات للسماح لهم بذلك، والتي كان آخرها عام 2000 عن طريق بن غفير نفسه، الأمر الذي رفضه نتنياهو آنذاك، كونه «سيثير غضب مليار مسلم ضدّنا». لكن نتنياهو اليوم يبدو أكثر قابلية للابتزاز من قِبَل قادة الفاشية الجديدة، الذين يدركون حاجته إليهم، ويسعون قدر الإمكان لتحقيق وعودهم لجمهور المستوطِنين من خلال هذه الفرصة المُؤاتية لهم، بينما يجد رئيس الحكومة المكلَّف صعوبة في رفْض مطالبهم، كونهم هُم مَن سيسمحون له بتشكيل الحكومة وتجنُّب المصير الذي هرب منه طويلاً على خلفية اتّهامه في قضايا فساد، ولو كان ثمن تلك المقايضة تصعيداً أمنياً إضافياً أو مزيداً من التدهور في العلاقات مع بعض دول التطبيع القديم، ومنها الأردن، الذي يؤرّقه أيّ تغيير يهدّد وصايته على الحرم القدسي.
الظاهر أن بن غفير بدأ بالفعل، التمهيد لخطوته الأكثر خطورة المتعلّقة بالمسجد
وتأتي هذه التطوّرات على رغم إدراك إسرائيل طبيعة الردّ الفلسطيني على المساس بالمسجد الأقصى، والذي اختبرتْه جيّداً منذ «هَبّة النفق» عام 1996، مروراً بانتفاضة الأقصى ومعركة البوابات، وصولاً إلى «سيف القدس»، حيث كانت العمليات الفدائية حاضرة دوماً. وبحسب التقديرات، فإن موجة تصعيد جديدة ستندلع إذا ما تجرّأت حكومة الاحتلال على إحداث أيّ تغيير في المسجد، فيما لا شيء يضمن أن تقتصر على الساحة الفلسطينية، وأن لا تتطوّر إلى معركة إقليمية، خاصة في ظلّ تحذير أطراف «محور المقاومة»، وعلى رأسها «حزب الله»، من أن المساس بالأقصى سيعني حرباً إقليمية. والواقع أن «سيف القدس» أرْست معادلة جديدة في هذا السياق، لا يمكن لفصائل المقاومة التخلّي عنها، بعدما بادرت بنفسها إلى إشعال هذه المعركة تحت شعار حماية الحرم القدسي. وبالتالي، هي تُدرك أنها ملزَمة باستكمال المعركة إذا ما تطلّب الأمر ذلك، في ظلّ تأكيدها الدائم أن «سيف القدس» لا يزال مشهَراً ولم يُغمد، وتوعُّد حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بالتصدّي لتهديدات بن غفير، وعدم السماح له بتنفيذها.
ويَلفت سليمان بشارات، مدير «مركز يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية»، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «خلْق واقع جديد في المسجد الأقصى هو هدف أساسي تسعى إليه الجماعات الدينية المتطرّفة في دولة الاحتلال، وهذا الهدف ليس جديداً، وإنّما رؤية استراتيجية، إذا لم يتحقّق الآن، يمكن تحقيقه في المستقبل». ويضيف بشارات أن «الاحتلال عمل، خلال السنوات الماضية، بمبدأ التدرّج في الخطوات في تهويد القدس والأقصى، بدءاً من الاقتحامات العشوائية للمسجد، وتحويلها إلى عمليات منظّمة، ومن ثمّ تكثيفها ورفْع وتيرتها، ومن ثمّ الحديث عن تقسيم المكان زمانياً ومكانياً، وكلّ ذلك يندرج ضمن خطّة الاحتلال لكيان إسرائيلي متكامل». وعن تداعيات السماح للمستوطِنين بالصلاة في الأقصى، يشير إلى أن «شرارة الانتفاضة الثانية كانت اقتحام آرييل شارون المسجد، كما خلَق وضْع البوّابات الإلكترونية حالة وطنية شعبية أقرب إلى العصيان المدني من خلال اعتصام مفتوح في أزقّة القدس، أَجبر المقدسيون من خلاله الاحتلال على التراجع»، متابعاً أن «الاعتداءات على المقدسيين والانتهاكات في المسجد الأقصى، في الفترات السابقة، كانت سبباً لتنفيذ عمليات مقاومة، أو لشحن الشارع الفلسطيني، وهذا ما يجعلنا نقول إن الفترة المقبلة، إذا ما كان هناك أيّ توجّه إسرائيلي لتعزيز أيّ انتهاك للأقصى، سيكون لها تأثير على عدّة أصعدة». ويبيّن بشارات أن «هذا التأثير سيبدأ من الضفة الغربية والداخل المحتلّ ومدينة القدس، حيث سيتعاظم غضب الفلسطينيين، بينما ستجد فصائل المقاومة في غزة نفسها أمام أحداث أكثر خطورة من أحداث الشيخ جراح، وبالتالي قد تقترب أكثر من المواجهة العسكرية»، متحدّثاً أيضاً عن احتمال «دخول بعض الأطراف الدولية أو الإقليمية التي ستغضبها الخطوة الإسرائيلية، الأمر الذي سيؤدّي إلى حالة من التصادم السياسي والديبلوماسي، سواء مع الأردن أو غيره».