طهران | دخلت الاضطرابات التي اندلعت في إيران على خلفيّة وفاة الشابّة مهسا أميني، أسبوعها الخامس، مُلقيةً بظلالها على العلاقات بين إيران والدول الغربية، والتي تشهد توتّراً متزايداً على خلفيّة ذلك. وبعدما فرضت كلّ من أميركا وبريطانيا وكندا في الأسابيع المنصرمة، عقوبات على طهران، بسبب ما سمّته «قمع» المحتجّين، أقرّ الاتحاد الأوروبي، هو الآخر، أوّل من أمس، عقوبات طالت 11 شخصاً، بِمَن فيهم وزير الاتصال، عيسى زارع بور، وأربعة كيانات هي: شرطة «الأمن الأخلاقي»، و«تعبئة المستضعفين»، ومقرّ الدفاع السايبري التابع لـ«الحرس الثوري»، وقيادة قوى الأمن الداخلي، علماً أن عقوبات الاتحاد المتعلّقة بـ«حقوق الإنسان» قائمة منذ سنوات، لكن أضيفَ إليها الآن أشخاص جدد شملتهم إجراءات مقيِّدة، بما فيها حظر دخولهم أراضي الدول الأعضاء في التكتّل، وحجز أرصدتهم المحتملة. ولا تؤثّر العقوبات الجديدة من الناحية العملية على أداء الأشخاص والمؤسّسات التي طالتها بشكل يُذكر، لكنها تُعدّ إجراءً رمزياً يمكن أن يمثّل علامة على جولة جديدة من الضغوطات ضدّ إيران. واعتبرت طهران تلك الإجراءات «تدخّلاً في شؤونها الداخلية»، وتوعّدت بالردّ بالمِثل. وكانت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية ذكرت، في وقت سابق، أن الجمهورية الإسلامية لوّحت، في رسالة مُوجَّهة إلى ديبلوماسيّي الاتحاد الأوروبي، بأن العلاقات الثنائية قد لا تستمرّ إنْ فَرض الأخير عقوبات على طهران بسبب الاحتجاجات. وإلى جانب العقوبات المتعلّقة بـ«حقوق الإنسان»، أعلن عدد من أعضاء التكتّل أنه في حالة ثبوت بيْع إيران أسلحة لروسيا لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، فقد يقرّون إجراءات أخرى بهذا الخصوص، الأمر الذي سيضيف، في حال تَحقّقه، عنصر توتّر جديداً إلى المشهد. والظاهر أن محادثات إحياء الاتفاق النووي، باتت إحدى ضحايا هذه التطوّرات، حيث يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود تماماً، بعدما كانت شهدت ركوداً في الأسابيع الماضية. ولعلّ ما يؤشّر إلى ذلك إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه لا يعقد الأمل في الوقت الحاضر على محادثات إحياء الاتفاق، معرباً عن أسفه للوصول إلى الوضع الحالي بعدما «كُنّا قريبين جدّاً جدّاً من الاتفاق». وما يزيد المشهد قتامةً أيضاً، تنظيم مجموعة من مُعارضي نظام الحُكم في خارج البلاد، حملة عبر الإنترنت، تَوجّهوا فيها إلى قادة دول «مجموعة السبع»، مُطالِبين إيّاهم بطرد سفراء الجمهورية الإسلامية وممثّليها من المنظّمات الدولية الموجودة على أراضيهم، في إجراء من المستبعد تَحقّقه على المدى القصير، لكنّه إنْ حدث، سيصيب العلاقات بين إيران والغرب بسكْتة كبيرة.
وينبئ تاريخ هذه العلاقات بأن الأطراف الغربية دائماً ما تستغلّ اندلاع احتجاجات أو أعمال شغب داخل إيران، حتى تُشدّد ضغوطاتها على الأخيرة، ومن ذلك مثلاً ما قام به الأميركيون والأوروبيون عقب الاحتجاجات التي اندلعت إثر الانتخابات الرئاسية عام 2009، حيث فرضوا عقوبات غير مسبوقة ضدّ البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يبدو أنه يتكرّر اليوم. على أن «سياسة الغرب التدخّلية» تلك، تَرفدها، بحسب الأوساط السياسية والإعلامية وحتى الرسمية الإيرانية، تدخّلات من قِبَل أطراف إقليمية، على رأسها السعودية. وفي هذا الإطار، يدور الحديث تحديداً عن قناة «إيران إنترناشونال» التلفزيونية المملوكة لأمير سعودي، والتي تبثّ من لندن وتضطلع بدور كبير للغاية في تغطية الاضطرابات. وفي نبرة انطوت على تهديد، قال الفريق حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، أوّل من أمس: «أدعو نظام آل سعود إلى أن يتحكّم بوسائل إعلامه، وبغير ذلك فإن العواقب سترتد عليكم».
اعتبرت طهران الإجراءات الغربية «تدخّلاً في شؤونها الداخلية»، وتوعّدت بالردّ بالمِثل


واعتبرت صحيفة «إيران» الحكومية، في مقال بعنوان «الاضطرابات وطاولة المحادثات»، أن «الهدف من الضغوط على الحكومة الإيرانية هو انتزاع المزيد من التنازلات منها على طاولة المفاوضات»، لافتةً إلى أنه «على مدى السنوات الماضية، تَمثّل سقف المطالب الأميركية في تغيير النظام السياسي، لكن وبمنأى عن هذا الحلم، فإن لديهم مطلباً في الحدّ الأدنى، ألا وهو أن يتغيّر سلوك الحكومة الإيرانية في موضوعات بعينها»، مضيفة أن «الموضوع النووي من أهمّ الموضوعات التي يفضّل الأميركيون أن يشاهدوا تغيّراً في السلوك الإيراني تجاهها». ورأت الصحيفة أن «الهدف من ممارسة الضغط على أكثر شرائح المجتمع الإيراني تَضرُّراً، هو أن تلجأ الجماهير إلى التمرّد والعصيان والنزول إلى الشوارع. وفي هذه الظروف، يشعر نظام الجمهورية الإسلامية بأن وجوده واقع تحت طائلة التهديد، وللخروج من هذه الأزمة، يرضخ للمطالب الأميركية، على أمل أن يحصل انفراج من خلال الاتفاق النووي في الوضع الاقتصادي، وتتدفّق الأموال، وتسهم في إرضاء المستائين»، متابعةً أن «هذه الفكرة ليست حكراً بطبيعة الحال على الأميركيين، بل إن الدول الغربية تعتمدها هي الأخرى».
من جهتها، طالبت وكالة أنباء «فارس»، التابعة للحرس الثوري، بالتصدّي للأطراف المتدخّلة، قائلةً: «إنْ أجازت الرياض ولندن وتل أبيب لنفسها إثارة أعمال العنف وزعزعة الأمن والأعمال الإرهابية والقتل في إيران، وتغطيتها وتضخيمها عبر وسائلها الإعلامية، فإن جميع هذه الحقوق محفوظة لإيران كذلك، ويجب وضعها موضع التطبيق من خلال التدابير اللازمة»، مضيفةً أنه «يتعيّن على لندن والرياض وتل أبيب وواشنطن دفع أثمان سياستها الإجرامية، وهذا هو السبيل الوحيد لمعاقبتها وجعلها تدْفع الثمن. وعندما يكون هؤلاء قابعين في قصور زجاجية، ويقذفون الحجارة، فإنهم سيقامرون بحياتهم من خلال أدنى إجراء رادع». ورأت الوكالة أن «الجهاز الديبلوماسي وباقي الأجهزة المسؤولة يجب أن تعدّ قائمة من الإجراءات المؤثّرة، وأن تنفّذها على جناح السرعة، لكي يتمّ تثبيت توازن القوة في البيئة الخارجية، وضمان الأمن والمصالح الوطنية في البيئة الداخلية من خلال اتّخاذ الإجراءات الملائمة في مواجهة العصابات الاستعمارية».