ليست زيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد، لروسيا، ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين، من باب الوساطة بين الغرب وروسيا حتى لا تصل الأمور إلى حرب نووية، كما قدّمها أحد مستشاري الأخير، الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله. فلا الوقت وقت وساطة، مع اشتداد الحرب في أوكرانيا وعلوّ سقف الشروط والشروط المضادّة؛ ولا الغرب بحاجة إلى ابن زايد ليكون وسيطاً مع بوتين في الوقت الذي يرى فيه أنه حقّق نقاطاً على الرئيس الروسي، من خلال «عزله»، ومدّ الأوكرانيين بالسلاح، وتمكينهم من تحقيق بعض التقدّم في الأسابيع الأخيرة. على العكس من ذلك، تندرج الزيارة في خانة محاولة ابن زايد المتجدّدة ابتزاز الأميركيين، عن طريق المساهمة في فكّ «عزلة» بوتين، في ما يمكن اعتباره امتداداً لِمَا حدث في «أوبك بلس»، حين اتّفق أعضاؤها على خفْض الإنتاج بواقع مليونَي برميل يومياً، مثيرين حالة هستيريا في الولايات المتحدة التي لا تزال تتدارس كيفية الردّ على «الانحياز» الخليجي، وبالتحديد السعودي - الإماراتي، إلى جانب روسيا في حربها مع أوكرانيا. وحين يتعلّق الأمر بالانعطافات الكبيرة، فإن مَن يجلس في مقعد القيادة هو ابن زايد، ويتبعه وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، منذ أن احتلّ الأخير منصبه في عام 2017، نتيجة مَكيدة ساهم فيها الأوّل عبر سفيره في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، وقادها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد أن «وسوس» له بها صهره، جارد كوشنر، ولم تكن إسرائيل ببعيدة عنها. ولا يَنظر هذا التحالف إلى بوتين بوصفه العدو اللدود الذي لا أولوية تتقدّم على هزيمته، كما يفعل الرئيس الأميركي جو بايدن. كما أن حاكمَي السعودية والإمارات لا يُخفيان تفضيلهما عودة الجمهوريين إلى الحُكم في واشنطن، ولا سعيهما لنصرة هؤلاء في انتخابات الكونغرس النصفية التي تجري الشهر المقبل، تمهيداً لعودة ترامب، إنْ أمكن، في انتخابات 2024. ومنذ تسلُّم بايدن الرئاسة في كانون الثاني 2020، كانت علاقاته مع قادة الخليج متوتّرة غالباً. وحين بدأ مسعاه لإصلاح تلك العلاقات بعد ارتفاع أسعار النفط وتسبُّبها بموجة تضخّم في الولايات المتحدة أثّرت على شعبيّة الرئيس والديموقراطيين، لم يجد استجابة من ابن سلمان وابن زايد اللذَين أفادت تقارير أميركية بأنهما رفضا حتى الردّ على اتّصالات هاتفية من الرئيس الأميركي. وكان اتّخاذ موقف متمايز من الحرب في أوكرانيا، من الرجلَين اللذين رفضا إدانة الهجوم الروسي، رسالة إلى بايدن، بأن الولايات المتحدة إذا أرادت منهما الاصطفاف إلى جانبها في تلك الحرب، فعليها أن تقف إلى جانبهما وتُدافع عن نظامَيهما.
على خلفيّة ذلك، يتّهم الغرب، الإمارات، بمساعدة كبار رجال الأعمال الروس الموالين لبوتين، على التهرّب من العقوبات عبر السماح لهم بتملُّك عقارات وإخفاء أصول أخرى في الدولة. ويواجه نائب رئيس الوزراء الإماراتي منصور بن زايد، احتمال إجراء تحقيق حول هذه المسألة من قِبَل وزارة الخارجية البريطانية. ويمكن لهذا التحقيق إذا تمّ السير فيه، أن يمتدّ ليشمل هجرة سابقة للحرب على أوكرانيا، كان الكثير من المتموّلين الروس قد بدأوها إلى دبي لتهريب أصولهم من أيّ عقوبات محتملة. أيضاً، يتحسّب ابن زايد حالياً لاحتمال ردّ أميركي على ما جرى في «أوبك بلس»، في اليمن، حيث تخوض السعودية والإمارات حرباً خاسرة، وتُعتبر الأخيرة بالذات خاصرة رخوة لتحالف العدوان، وفق ما أظهره قصف «أنصار الله» للعمق الإماراتي الذي كاد يهشّم أمن تلك الدولة الزجاجي، لولا أن أبو ظبي رفعت يدَيها يومها عن المشاركة في الحرب. في ذلك الحين، أخذ ابن زايد على بايدن ترْكه وحيداً من دون حماية، وعدم المسارعة إلى نجدته وحتى عدم الاتّصال به هاتفياً بصورة فورية، الأمر الذي عولج لاحقاً بزيارة قامت بها نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، في آذار الماضي، لتقديم العزاء بوفاة الرئيس الإماراتي السابق خليفة بن زايد، والتبريك لمحمد باعتلائه المنصب.
يتحسّب ابن زايد حالياً لاحتمال ردّ أميركي على ما جرى في «أوبك بلس»


كان ذلك في إطار الاستدارة التي قام بها بايدن، محاوِلاً تدفئة العلاقات مع قادة الخليج، ولا سيما ابن زايد وابن سلمان، وهو ما تَوّجته قمة جدة في تموز الماضي، قبل أن تعود الأمور إلى نقطة البداية، في أعقاب خفْض إنتاج النفط الأسبوع الماضي. وفي اليمن بالذات، تُسجِّل السعودية والإمارات لبوتين امتناعه عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2216 وعدم استخدام «الفيتو» ضدّه، وهو ما ساهم مساهمة حاسمة في توفير تغطية لعدوانهما على هذا البلد. فتلك اعتُبرت سلفة للسعودية والإمارات من خارج سياق السياسة الروسية المعتادة في مجلس الأمن، وهي طبعاً سهّلت التحالف اللاحق في «أوبك بلس» وقضايا أخرى. وزيارة ابن زايد الذي يتقن فنّ «التحالف على القطعة» ستفتح، على الأرجح، آفاقاً جديدة لتبادل الخدمات، من أوكرانيا إلى اليمن.