قدَّم فوز حزب «الإنصاف»، بزعامة عمران خان، بالانتخابات الفرعية في إقليم البنجاب، لمحةً أوليّة عمَّا يمكن أن تؤول إليه الانتخابات المرتقبة بعد عامٍ ونيّف، والمتوقَّع تقريب موعدها ليس نزولاً عند رغبة رئيس الوزراء السابق، ولكن نظراً إلى ما تقاسيه الحكومة الائتلافية من أزمات، عزّزها أخيراً قرارها رفع الدعم عن المحروقات، لتزيد أسعارها بنسبة 50%. وتعيش باكستان وضعاً سياسياً هشّاً منذ سقوط حكومة خان، وعودة آل شريف الذين لطالما حكموا البنجاب، إلى رئاسة الوزراء، على رأس ائتلاف لا يُتوقَّع صموده طويلاً، كونه تشكّلَ لهدف إسقاط الحكومة السابقة، فيما تبقى وجهة السياسة في هذا البلد غامضة، حتى لو تقررَّ إجراء الانتخابات غداً، وفق ما يرى محلّلون
جاء فوز حزب «الإنصاف» بالانتخابات الفرعيّة في إقليم البنجاب، أكبر أقاليم باكستان وأكثرها اكتظاظاً بالسكّان، وتمكُّنه من السيطرة على البرلمان المحلّي للولاية، ليخالِف جميع التوقّعات. بهذا، يكون رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، قد تمكّن من تثبيت موطئ قدمٍ له في إقليمٍ لطالما عُدَّ معقلاً راسخاً لعائلة شريف، التي تداورت وعائلة بوتو على حُكم هذا البلد الآسيوي، ما حدا به إلى تجديد المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، في ضوء قرار البرلمان حجب الثقة عن حكومته، في نيسان الماضي. وحصل «الإنصاف» على 15 مقعداً من مجموع 20 نائباً تمّ اختيارهم في هذه الانتخابات الفرعية، فيما اكتفى حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية» بزعامة رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، بأربعة مقاعد، ونال المقعد الأخير مرشّح مستقلّ. وتُعدُّ هذه النتيجة مؤشراً إلى الانتخابات التشريعية المقرَّر تنظيمها في تشرين الأوّل من العام المقبل، وخصوصاً أن «السبيل الوحيد للمضيّ قُدماً بعد الآن، يقوم على إجراء انتخابات حرّة وشفافة. وكل سبيل آخر سيؤدّي إلى مزيد من عدم اليقين السياسي والمزيد من الفوضى الاقتصادية»، وفق ما جاء على لسان خان.
وشغر 20 مقعداً في برلمان إقليم البنجاب، بعد إصدار لجنة الانتخابات المركزية قراراً بعدم أهلية نواب حزب «الإنصاف» الذين غيّروا ولاءهم - بناءً على طلب خان -، وصوّتوا ضدّ حزبهم لمصلحة حمزة شهباز شريف من «الرابطة الإسلامية» في انتخابات رئاسة وزراء الإقليم. وقاد الحزبان المذكوران حملات انتخابية قويّة في الإقليم، هي بمثابة تحضير للانتخابات، فيما استمرّ عمران خان في حشد أنصاره، عبر التركيز على انتقاد الحكومة الائتلافية التي يصفها بـ«المستوردة والفاسدة». وفي خطابه من مدينة فيصل أباد غربيّ مدينة لاهور، عاصمة الإقليم، الجمعة، قال خان إنه سيواجه منافسيه «حتّى الكرة الأخيرة»، وأصرّ على أن حزبه سيخرج منتصراً في الانتخابات الفرعية في الإقليم، لكنّه حذّر من لجوء «الرابطة الإسلامية» إلى تزوير الانتخابات.
يُتوقع أن تتلقّى باكستان أربعة مليارات دولار أخرى من دول صديقة لتجنّب شبح العجز عن سداد التزامات مالية دولية


ويرى معلّقون أن نتيجة الانتخابات الفرعية ستقرِّر مستقبل السياسة في باكستان، كونها ستحدّد مَن يحكم البنجاب. وتعقيباً على ما تقدَّم، رأى الأكاديمي الباكستاني، فضل تقي الدين، أن «فوز خان هو بمثابة ضربة قوية للائتلاف الحاكم بقيادة شهباز شريف. وعلى رغم أنه لا يشكّل أيّ تهديد مباشر على الحكومة في إسلام أباد، إلّا أنه طال نجل شهباز، وقد تطال تداعياته، والدَه»، مذكّراً، في حديث تلفزيوني، بأن الإقليم ظلّ، على مرّ السنوات، معقلاً لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية»، وشهباز، وشقيقه الأكبر نواز، الذي تولّى رئاسة الوزراء ثلاث مرّات. ومنذ إطاحة عمران خان من رئاسة الوزراء، كثّف هذا الأخير نشاطه من خلال حشد أنصاره في تجمعات شعبية، لإدانة ما وصفه بـ«الانقلاب» الذي دبّرته الولايات المتحدة وأدواتها ضدّه. لهذا، يُعدّ فوزه بإقليم البنجاب دليلاً على أن الرّجل لا يزال يمثّل قوّة انتخابية لا يمكن الاستهانة بها، وتحدّياً بارزاً أمام عائلة شريف، التي قد تجد نفسها أمام خيار وحيد: التوجّه إلى انتخابات مبكرة، يحتمل أن تؤول هي الأخرى إلى حزب خان، ولا سيما أن الحكومة الحالية تواجه تحدّيات اقتصادية جمّة، عزّزها قرارها رفْع الدعم عن المحروقات، ما زاد الأسعار بنسبة 50% في أقلّ من شهرين. ويحمّل خان الحكومة المحليّة مسؤولية الارتفاع الكبير في التضخّم، على رغم أن غالبية المحللين يتّفقون على أن شريف ورِث الأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي يُرجّح أن تخفّ وطأتها مع توقيع اتفاق وشيك مع «صندوق النقد الدولي» لمعاودة تنفيذ خطّة المساعدة البالغة قيمتها 7,2 مليارات دولار. ويُتوقع أن تتلقّى باكستان أربعة مليارات دولار أخرى من دول صديقة لتجنّب شبح العجز عن سداد التزامات مالية دولية. ورأت الصحف الباكستانية أن نتائج الاقتراع في البنجاب أتت جراء الصعوبات الاقتصادية في البلاد التي تنفق حوالي نصف عائداتها على خدمة الدين الخارجي.