أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، في طهران، محادثات مع المرشد الإيراني الأعلى، علي الخامنئي، ورئيس الجمهورية، إبراهيم رئيسي، قبل أن ينضمّ لاحقاً الى لقاء قمّة ثلاثي جمعه إلى نظيرَيه الإيراني، والتركي رجب طيب إردوغان، في إطار لقاءات «أستانا» المتعلّقة بالملف السوري. وقبل انعقاد اللقاء الثلاثي، عقد الرئيسان الروسي والتركي لقاءً ثنائياً، تناول الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها المختلفة، وبالخصوص مسألة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. وتبعث زيارة بوتين لإيران، والتي تأتي بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للكيان الإسرائيلي والسعودية، برسالة قوية ومباشرة إلى الغرب، بشأن إرادة روسيّة لتوسيع وتوثيق العلاقات الاستراتيجية مع «قوى الشرق»، كإيران والصين والهند، في مواجهة حملة الضغوط والعقوبات الأميركية والغربية. وبالنسبة إلى إيران، فإن زيارة بوتين تبدو بالغة الدلالات والأهمية، إذ تسعى طهران إلى خلق ما يشبه «التجمّع» للدول الخاضعة للعقوبات الأميركية والغربية الاقتصادية. وبالإضافة الى ما سبق، فإن طهران معنيّة بتظهير مكانتها الإقليمية والدولية، في ظلّ السعي الأميركي - الإسرائيلي إلى تفعيل سياسة «الدمج» في المنطقة، والمقصود بها دمج إسرائيل والدول العربية، في تحالف تقوده واشنطن، وعنوانه الأهم: مواجهة إيران.
لقاء الخامنئي ــــ بوتين
أكد رئيسي، خلال استقباله بوتين، أن «الإرادة الإيرانية الروسية لتوسيع التعاون ملحوظة للغاية»، معتبراً أن «التعاون في مجال مكافحة الإرهاب يحقّق أمن المنطقة». في المقابل، قال الرئيس الروسي إن التعاون بين طهران وموسكو «يتقدّم بشكل كبير في مختلف المجالات»، مشيراً الى أن العاصمتين «لهما دور كبير في حلّ الأزمة السورية». لكن اللقاء الذي حاز الاهتمام الأكبر، هو لقاء بوتين والوفد الروسي المرافق، بالمرشد الإيراني الأعلى، علي الخامنئي، حيث بدا الاجتماع «ودّياً»، وحمل العديد من الملاحظات التي أبداها الرجلان بخصوص قضايا مختلفة. وأشار الخامنئي إلى أن «التعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا وهو مفيد للغاية لكلا البلدين (...) ويجب تفعيل التفاهمات والعقود، ومن الضروري توخّي الحذر من سياسات الغرب الخادعة». وأكّد الخامنئي لضيفه أنه «في وقت اجتماعنا هذا، وفي ظلّ الأحداث العالمية، يبدو أن هناك حاجة لزيادة التعاون المتبادل (...) والتعاون الاقتصادي بين إيران وروسيا، وخاصة في أعقاب العقوبات الغربية، أمر ضروري ومصلحة لكلا البلدين». وبعد الكلام الدبلوماسي العام، استفاض الخامنئي في استعراض ملاحظاته حول الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتداعياتها على كلا البلدين والعالم. وفي هذا السياق، قال: «الحرب في أوكرانيا أمر قاسٍ وصعب، والجمهورية الإسلامية ليست مسرورة إطلاقاً بمعاناة الناس العاديين منها (...) ولكن في حالة أوكرانيا، إذا لم تأخذ زمام المبادرة، فإن الطرف الآخر سيتسبّب في حرب بمبادرته». ولفت إلى أن «الناتو كيان خطير، وإذا كان الطريق مفتوحاً أمامه، فهو لا يعرف حدوداً، ولو لم يتمّ إيقافه في أوكرانيا، لكان سيبدأ الحرب بحجّة شبه جزيرة القرم». وحول المنطقة، رأى الخامنئي أن «أميركا والغرب اليوم أضعف من ذي قبل، وعلى الرغم من الجهد الكبير والتكلفة التي يبذلونها، فإن نجاح سياساتهم في منطقتنا، بما في ذلك في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، قد تضاءل بشكل كبير»، مندّداً بـ«تدخل الكيان الإسرائيلي في شؤون المنطقة»، ومشيداً بـ«مواقف الرئيس الروسي الأخيرة ضد الصهاينة». ودعا الخامنئي ضيفه إلى «اليقظة ضدّ خداع الغرب، فالأميركيون أقوياء ومكّارون في الوقت نفسه، وأحد أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق كان انخداعه بالسياسات الأميركية». كما أعلن موافقته على «سياسة إحلال العملات الوطنية في المبادلات بين البلدين، واستخدام عملات أخرى بدلاً من الدولار»، مشدداً على وجوب «إبعاد الدولار تدريجياً عن مسار المعاملات العالمية، وهذا ممكن تدريجياً». وحول الملف السوري، أكّد المرشد الأعلى «وجوب طرد الأميركيين من منطقة شرق الفرات في سوريا»، مشيراً إلى أن «القضية السورية مهمّة جداً، والموقف الإيراني واضح، وهو رفض التدخّل العسكري ضدّ هذا البلد».
بعد عقد اللقاءات الثنائية، انعقد مساء أمس، لقاء ثلاثي جمع الرؤساء الثلاثة، وكان محوره الملف السوري


من جهته، قال بوتين إنه «لا أحد يؤيّد الحرب، وخسارة أرواح الناس العاديين مأساةٌ كبيرة، لكن سلوك الغرب جعلنا لا نملك خياراً سوى الرد»، معتبراً أن «اغتيال قاسم سليماني هو مثال على الشرارات التي تشعلها أميركا». وأشار بوتين إلى أن «بعض الدول الأوروبية قالت إنّها ضدّ عضوية أوكرانيا في الناتو، لكنهم وافقوا على ذلك تحت الضغط الأميركي، ما يدلّ على افتقارهم إلى السيادة والاستقلال»، مؤكداً أن «العقوبات علينا تلحق الضرر بالغرب بالدرجة الأولى، والنتيجة هي مشاكل مثل ارتفاع أسعار النفط وأزمة الإمدادات الغذائية». وفي استجابة لدعوة الخامنئي، قال بوتين إن «أميركا تستخدم الدولار لحظر ونهب دول أخرى، وهذا يضرّ بها في نهاية المطاف ويضعف الثقة العالمية بهذه العملة، ويحرّك الدول لاستخدام العملات البديلة». كما أعلن اتفاقه مع «موقف القائد الأعلى علي الخامنئي حول الملف السوري، بما في ذلك معارضة التدخل العسكري في شمال هذا البلد».

قمّة ثلاثية
وبعد استقبال الرئيسين الروسي والتركي، وعقد اللقاءات الثنائية، انعقد مساء أمس، لقاء ثلاثي جمع الرؤساء الثلاثة، وكان محوره الملف السوري. وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أكّد إردوغان، وإلى جانبه بوتين ورئيسي، وجوب أن «يكون الأمر واضحاً للجميع: لا مكان في المنطقة للحركات الإرهابية الانفصالية وأتباعها»، مضيفاً: «سنواصل قريباً قتالنا ضدّ المنظّمات الإرهابية». وجدّد إردوغان «وجهة نظرنا الموحّدة إزاء الوضع السوري، ومكافحتنا التنظيمات الإرهابية بشكل مشترك»، آملاً من روسيا وإيران «التعاون معنا للقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا التي تهدد تركيا أرضاً وشعباً»، مشيراً إلى أن «تركيا تتفهّم القلق الواضح حيال الأوضاع في إدلب، وتبحث عن حلول جذرية لها». كما شدّد الرئيس التركي على «أهمّية وضع آلية عمل لصياغة دستور جديد للدولة السورية، وعلى المعارضة والنظام بدء حوار بشأن ذلك». من جهته، قال الرئيس الإيراني إن «وجود الأميركيين في شرق الفرات غير مبرّر أبداً، وعليهم مغادرة المنطقة»، لافتاً إلى أن «لدينا قلقاً من وجود الإرهابيين في إدلب، وعلى كلّ الدول بذل جهود جادّة وحقيقية في محاربتهم». وأضاف رئيسي: «شددنا خلال القمة على بذل الجهود لوضع حد للمشاكل والأزمات التي يعانيها الشعب السوري المظلوم»، كما «أكّدنا إدانة الهجمات الصهيونية على الأراضي السورية، وأنّها انتهاك للقوانين الدولية». بدوره، قال بوتين إن «روسيا وإيران وتركيا ملتزمة بمواصلة الجهود الرامية إلى عودة الوضع في سوريا إلى طبيعته». وأضاف إنه «يجب أن يعود شرق الفرات إلى سلطة الدولة السورية»، ويجب «الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب». وفي البيان الختامي الصادر عن القمة، كرّرت روسيا وإيران وتركيا «إدانة الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على سوريا، بما في ذلك الأهداف المدنية»، كما رفضت «محاولات خلق واقع جديد على الأرض في سوريا»، وأكدت «عزمها على محاربة الإرهابيين في سوريا الذين يعملون هناك تحت أسماء مختلفة». وتوافقت الدول الثلاث أيضاً على «تحديد موعد الجولة 19 من محادثات أستانا قبل نهاية عام 2022».