بعد مرور أكثر من أسبوعين على الاحتجاجات الشعبية التي عمّت أرجاء الإكوادور، لا يزال التأزّم طاغياً على المشهد في البلد اللاتيني، في ظلّ فشل الحوار الذي أطلقته الحكومة مع السكّان الأصليين، مُطلِقي الاحتجاجات. وكانت التظاهرات بدأت منذ نحو أسبوعين في ريف الإكوادور، عندما أعلن «اتحاد القوميات الأصلية» المعارض (كوني CONAIE) برئاسة ليونيداس إيسا، بدء إضراب عام سعياً لتحقيق عشرة مطالب أساسية، على رأسها خفض سعر الوقود؛ بعدما ارتفع سعر غالون الديزل (3.78 ليترات) بنسبة 90% (إلى 1.90 دولار)، والبنزين بنسبة 46% (إلى 2.55 دولار) في عام واحد تقريباً. وإلى جانب ذلك المطلب، تشمل القائمة أيضاً: إعفاء الفلاحين من الديون، مراقبة الأسعار الزراعية، توفير المزيد من فرص العمل، تعليق امتيازات التعدين في أراضي السكّان الأصليين الذين يمثّلون أكثر من 17.7 مليون إكوادوري، إضافة إلى رفع ميزانية الصحّة والتعليم والسلامة. وسرعان ما امتدّت الاحتجاجات من الريف إلى المدن، بما فيها العاصمة كيتو، التي أدّى قطع الطرق الرئيسة فيها إلى حالة من الشلل، فيما شهدت مناطقها اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، خلّفت ما لا يقلّ عن 4 قتلى، ونحو 500 جريح. وعلى خلفية ذلك، أعلن الرئيس الإكوادوري، غييرمو لاسو، حالة الطوارئ في ستٍّ من مقاطعات البلاد البالغ عددها 24 (قبل أن تُرفع السبت الماضي ويعاد فرضها في أربع مقاطعات الأربعاء)، في حين بدت منطقة الأمازون الأكثر سخونة - نظراً إلى أنها تمثّل موطن السكّان الأصليين -، حيث اعترفت الحكومة بأنها فقدت السيطرة على بلدة بويو الصغيرة، وأنها فقدت حوالى 18 ضابطاً جرّاء الاشتباكات هناك.وعلى رغم بدء الحكومة حواراً مع ممثّلي السكّان الأصليين، وعقدها جلسة أولى معهم يوم الإثنين الماضي في ملحق تابع للكنيسة الكاثوليكية في المركز التاريخي للعاصمة، إلّا أن لاسو سرعان ما علّق هذا الحوار، مُبرّراً قراره بـ«مقتل عسكري في هجوم في الليلة السابقة». وقال الرئيس، في كلمة مقتضبة، «(إنّنا) لن نجلس مجدّداً للحوار مع إيسا، الذي لا يدافع إلّا عن مصالحه السياسية وليس عن مصالح قاعدته»، مضيفاً «(أنّنا) لن نتفاوض مع الذين يحتجزون الإكوادور رهينة أو الذين يهاجمون قواتنا الأمنية... عندما يتوافر ممثّلون شرعيّون لكلّ الشعوب في الإكوادور يسعون إلى حلول فعلية... سنعود إلى طاولة الحوار». وفي ردّه على ذلك، اتّهم «اتحاد القوميات الأصلية»، الحكومة، بـ«التسلّط، وافتقاد الإرادة»، قائلاً في تغريدة: «نحمّل لاسو مسؤولية تداعيات سياسته العدائية... لاسو لم يوقف الحوار مع ليونيداس إيسا، بل مع الشعب».
استؤنف الحوار بين الحكومة وممثّلي السكّان الأصليين أمس

استؤنف الحوار بين الحكومة وممثّلي السكّان الأصليين أمس

وأعلن إيسا، بدوره، أمام عشرات من أنصاره، أن «عملية الحوار وصلت إلى طريق مسدود راهناً، لكنّنا نُبقي الباب مفتوحاً. نريد السلام!». وبعد ساعاتٍ من تلك التطوّرات، أفلت رئيس البلاد، مساء أول من أمس، من خطر الإقالة، مع رفض البرلمان مذكّرة تُحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، بسبب سوء إدارته للتظاهرات التي تشلّ الإكوادور. وحصلت هذه المذكّرة التي تَقدّم بها حزب الرئيس الاشتراكي السابق، رافاييل كوريا، على تأييد 80 صوتاً، فيما كان يحتاج تمريرها إلى 92 صوتاً، علماً أن المعارضة تتمتّع بالغالبية في البرلمان الذي يضمّ 137 نائباً، إلّا أنها منقسمة على نفسها.
وهذه ليست المرّة الأولى التي ينتفض فيها «كوني» في وجه السلطة؛ إذ كان قد لعب دوراً بارزاً في الانتفاضات التي أطاحت ثلاثة رؤساء إكوادوريين بين عامَي 1997 و2005. وعلى الرغم من أن الأزمة المعيشية في الإكوادور ليست وليدة اليوم، إلّا أن التضخّم الاقتصادي الذي سجّل معدّلات عالية جرّاء انتشار وباء «كوفيد - 19»، وما تبع ذلك من تعمُّق الفقر المزمن وعدم المساواة (أكثر من 32% من السكّان يكسبون أقلّ من ثلاثة دولارات في اليوم)، كلّ ذلك أضاف تحدّياتٍ هائلة على عاتق الحكومة اليمينية التي لم تحسن التصرّف إزاءها، الأمر الذي أدّى إلى انفجار الوضع بوجهها. وعلى رغم ما تَقدّم، ادّعى وزير الخارجية الإكوادوري، خوان كارلوس هولغوين، أن «الحكومة بذلت كلّ ما في وسعها لخدمة مواطنيها، بما في ذلك تطعيم ملايين الأشخاص ضدّ فيروس "كورونا" في فترة زمنية قصيرة»، مُدافعاً بأنه «في عام من الحُكم، من المستحيل تغيير المشاكل الهيكلية... حكومتنا في طريقها إلى تحقيق الرفاهية التي نحتاج إليها جميعاً».
وتُعتبر موجة التظاهرات الأخيرة الأكبر في البلاد منذ عام 2019، على رغم أن «ارتفاع أسعار النفط العالمية أفاد الإكوادور، لأن الوقود هو أحد صادراتها الرئيسة، لكن هذا لم يصل حتى الآن إلى مَن هم في أمسّ الحاجة إليه... عادةً عندما ترتفع أسعار النفط، نرى المزيد من الأموال في البلاد، ويزيد الاستثمار... لكننا لم نرَ ذلك مع هذه الحكومة»، بحسب ما تؤكّده «مجموعة الأزمات الدولية». ومع أن الحكومة أعلنت، أمس، معاودة التفاوض مع المحتجّين، إذ قالت على لسان وزير الشؤون الحكومية، فرانسيسكو خيمينيس، إنها «قبلت وساطة مجلس أساقفة الإكوادور لاستئناف الحوار في محاولة لإعادة السلام إلى الشعب الإكوادوري»، إلّا أن عالم الاجتماع والمحلّل، إنكاري كويي، يرى أن «الأمور ستطول»، موضحاً أن «طبيعة الاحتجاجات ونطاقها الواسع يشيران إلى أن البلاد قد تواجه فترة طويلة من الاضطرابات... يبدو أنه سيكون هناك تصعيد».