الغرب لن يستطيع إمداد أوكرانيا بالأسلحة إلى ما لا نهاية
يتحدّث أوليفييه دوجاردان، الباحث في «المعهد الفرنسي للأبحاث حول الاستخبارات»، والذي عمل كخبير في الحرب الإلكترونية وأنظمة الرادار في الجيش الفرنسي، في حوار مع «الأخبار»، حول مآلات الحرب الروسية - الأوكرانية، ونتائج الدعم الغربي المتواصل لكييف. وإذ يُعرب عن اعتقاده بأن استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة الروس «ضرب من الوهم»، فهو يشكّك في إمكانية استمرار عمليات التسليح الغربية للجيش الأوكراني، معتبراً أن روسيا في وضع متفوّق لناحية القدرة على المضيّ قُدُماً في المعركة

تعتقد الإدارتان الأميركية والبريطانية بإمكانية انتصار أوكرانيا في الحرب الدائرة مع روسيا، ويجد هذا الموقف صدى واسعاً في وسائل الإعلام الغربية. لقد أبديتم، في أكثر من مناسبة، تحفّظاتكم على فُرص تَحقّق هكذا سيناريو. ما هي مكامن ضعف القوات الأوكرانية في مقابل تلك الروسية؟
أولاً، وعلى الرغم من أن الجيش الأوكراني يضمّ عدداً كبيراً من الجنود (1.2 مليون إذا أخذنا في الاعتبار قوات الاحتياط)، إلّا أن كفاءة هؤلاء محدودة. لقد قُصفت جميع مراكز التدريب، وحالة الطوارئ المرتبطة بالحرب تعني أنهم لن يحصلوا سوى على تدريب لأسبوعين في الحدّ الأقصى، وهي مدّة غير كافية لتطوير مستوى الأداء. قد يسمح مثل هذا التدريب للجنود بالقتال دفاعاً عن مواقع محصّنة، لكنّه لن يؤهّلهم للمشاركة في عمليات هجومية بالتنسيق مع سلاحَي المدرّعات والمدفعية مثلاً. ثانياً، تعتمد القدرات الدفاعية الأوكرانية على الدعم الدولي والإمداد بالسلاح. من غير المؤكّد أن هذا الدعم سيستمرّ نظراً إلى كلفته الباهظة، ولأن المخزون المتوفّر من المعدّات والذخائر المعدّة للإرسال للأوكرانيين محدود في المحصّلة النهائية. يُضاف إلى ذلك الاستهلاك الكبير للذخائر وتبديدها من قِبَل جنود قليلي التدريب، ما يفسّر نفاد المخزون المتوفّر منها. ثالثاً، الكثير من المعدّات العسكرية المرسَلة يتطلّب صيانة وقطع غيار، أو ذخائر من أعيرة مختلفة، ما سيسبّب مشكلات لوجستية. رابعاً، لا تتمتّع أوكرانيا بالتفوّق في المجال الجوّي؛ تقوم بعشرات الطلعات الجوّية يومياً بينما تُراوح تلك الروسية ما بين الـ100 والـ300 طلعة في اليوم الواحد منذ بداية الحرب. لن تستطيع كييف التفوّق في هذا المجال في المديَين القصير والمتوسّط. وفي غيابه، فإن استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة الروس هو ضرب من الوهم.
مخزون الأسلحة والذخائر المتوفّر محدود، خاصة في أوروبا


ما الذي يدفعكم إلى الاعتقاد بأن الدعم العسكري الغربي الكبير لأوكرانيا إشكاليّ على المدى الطويل؟ وما هي المخاطر التي قد تنجم عنه بالنسبة للدول الغربية؟
مخزون الأسلحة والذخائر المتوفّر محدود كما سبق وأشرت، خاصة في أوروبا. لكن حتى الولايات المتحدة، القادرة على توفير كمّيات كبيرة منها، قد أرسلت إلى الآن ما يوازي ثلث مخزونها من صواريخ «جافلين» و«ستينات». إرسال المزيد قد يعني المخاطرة بعدم توفّر كميات كافية منها في حال انفجار أزمة ثانية في منطقة أخرى من العالم. علاوة على ذلك، فإن صناعات السلاح ليست في وضع يسمح لها بالتكيّف مع معدّلات استهلاك الذخائر في أوكرانيا. بالنسبة للصواريخ مثلاً، لقد تمّ استخدام كميات موازية لما تنتجه الصناعات الحربية الغربية خلال سنتَين في مدّة شهرين. إذا أردنا المقارنة، فإنّ فرنسا وقّعت مع شركة «MBDA» عقداً لشراء 1950 صاروخاً مضادّاً للدروع من نوع «MMP»، وسيجري استلامها في 2025، وهي كمّية موازية لما يُستخدم في أوكرانيا خلال أسبوع واحد. المسألة اقتصادية أيضاً؛ هذه الأسلحة باهظة الثمن: سعر الصاروخ الواحد هو 80 ألف دولار، وسعر منصّة الإطلاق 514 ألف دولار. هل بمستطاع اقتصادنا احتمال مِثل هذه الوتيرة المرتفعة من الاستهلاك في ظلّ معاناة الإنتاج الصناعي الدولي بمجمله من شحّ الموارد على اختلافها؟ أشكّ في ذلك.

لقد تمّ اختراق خطوط الدفاع الأوكرانية في منطقة دونباس على رغم حشد كييف لقواتها فيها. هل يمكن الاستنتاج بأن الزمن لا يعمل لصالحها؟
هذا استنتاج ممكن. لكن الروس يتكبّدون خسائر أيضاً، ومن الصعب في هذه المرحلة من الصراع معرفة أيّ من الطرفين سينهار أولاً. مآل المواجهة وثيق الصلة بحجم الدعم الذي ستحظى به أوكرانيا، وبديمومته، من جهة، وبمدى قدرة الجيش والشعب الروسيَين على الاحتمال من جهة أخرى. أوكرانيا في وضعيّة مَن يخوض حرباً شاملة، وهو ما لا ينطبق على روسيا حتى اللحظة، لأنها لم تَقُم بتعبئة الاحتياط، ولم تُحوّل اقتصادها إلى اقتصاد حرب. روسيا في وضع يسمح لها نظرياً بطاقة أكبر على المضيّ قُدُماً في المعركة. غير أن التحليل الواقعي ينبغي أن يعير اهتماماً خاصاً للديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعمل لدى الطرفين.

باحث فرنسي