موسكو | تواصلت العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية دونباس، في يومها السادس، بانتظار عودة الوفدين الروسي والأوكراني إلى طاولة المفاوضات بعد التشاور مع عاصمتيهما، خلال اليومين المقبلين، وفقاً لما أعلنته وزارة الخارجية البيلاروسية.وفيما تحفَّظ الطرفان، الروسي والأوكراني، عن كشف ما جرى تداوله في المفاوضات، إلّا أنّ مطالب روسيا معروفة، وهي تتمثّل في نزع سلاح أوكرانيا، وحيادية هذا البلد، إضافة إلى اجتثاث "النازية" من النظام القائم في كييف، وهي شروط يعتبر الوفد الأوكراني المفاوِض أنّها صعبة جداً.
وعبّر عضو الوفد الروسي المفاوض، رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، عن رضا الوفد على الطريقة التي سارت فيها المفاوضات، أول من أمس، بشكل جزئي، موضحاً في تصريحات لصحيفة "إزفيستيا" الروسية، أنّ سيتم خلال الجولة الثانية اتخاذ قرارات مهمّة. إلّا أنّ سلوتسكي أبدى خشيةً من أن لا تُترجم بعض النتائج المتّفق عليها إلى واقع عملي على الأرض، ويُقصد بذلك التزام كييف بما سيجري التوصّل إليه في المفاوضات.
بدوره، رجّح مدير البرامج في نادي "فالداي"، أوليغ بارابانوف، أن لا تنجح المفاوضات بسرعة، لأنّ "طلبات الطرفين غير متطابقة". ولفت إلى أنّ "استراتيجية كييف ستكون إطالة أمد المفاوضات، لإظهار أنّ روسيا غير قادرة على التفاوض، لا أكثر". وقال إنّ كييف لم تضع هدفاً لها يمكن الوصول إليه في المفاوضات، معتبراً أنّها "تلعب بالنار لآخر دقيقة، إلى أن يشعروا أنهم هزموا عسكرياً. عندها سيضعون أهدافاً منطقية للتسوية".
وفي سياق متصل، أكّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنّ هدف العملية العسكرية الروسية، هو "نزع السلاح من النظام النازي في أوكرانيا"، مشدّداً على أنّ "الحكومة النازية في كييف لا تمثّل شعبها أبداً"، وأنّ "مأساة أوكرانيا هي نتيجة تواطؤ الرعاة الغربيين مع النظام الإجرامي الذي تشكّل هناك".
واتهم لافروف "الكراهية الأوروبية" تجاه روسيا، بأنها "الدافع وراء مدّ الاتحاد الأوروبي أوكرانيا بالأسلحة". وقال إنّ "أوكرانيا ما زالت لديها تكنولوجيا نووية سوفياتية، ولا يمكننا ألا نستجيب لهذا الخطر"، مجدِّداً التأكيد أنّ "روسيا لا تقبل بوجود الأسلحة النووية الأميركية في أوروبا. ولقد حان الوقت لإعادتها إلى الوطن". ومن هذا المنطلق، دعا لافروف واشنطن إلى "الوفاء بالتزاماتها بعدم تعزيز الأمن على حساب الآخرين".
على الصعيد العسكري، أكّد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أنّ القوات المسلّحة الروسية في أوكرانيا ستُواصل العملية العسكرية هناك حتى تحقيق أهدافها، موضحاً أنّ "حماية روسيا من تهديد عسكري غربي، هي المهمة الرئيسية للعملية الخاصة في أوكرانيا".
وفيما كشف أنّ الجيش الروسي اتخذ كافة الإجراءات للحفاظ على أرواح المدنيين وسلامتهم، مؤكّداً أنّ الضربات تستهدف فقط المنشآت العسكرية وتنفَّذ باستخدام أسلحة عالية الدقّة فقط، فقد اتّهم النظام الأوكراني باستخدام المدنيين كدروع بشرية جراء الاشتباكات والأعمال القتالية.
تريليون روبل من الصندوق السيادي لشراء أسهم في الشركات الروسية المعاقَبة


وفي الأثناء، واصلت القوات الروسية عملية تطويق كييف وخاركوف، وأطبقت الحصار على مدينة ماريوبول على بحر آزوف في جنوب شرقي أوكرانيا. وشدّد الخبراء الروس، في هذا السياق، على أنّ الضربات الجوية الروسية عرقلت عمل التشكيلات العسكرية الأوكرانية ووضعتها في موقف صعب. ولفت الخبير العسكري، فلاديسلاف شوريغين، إلى أنّ "محاولة اقتحام المدن لن تكون سهلة، وذلك يتطلّب عملاً كبيراً لسلاح الطيران المسير". كذلك، أوضح أنّ الجيش الروسي يستخدم حصرياً أسلحة عالية الدقة ومباشرة، مشيراً إلى أنّ هذه الكفاءة العالية "تمنح الجيش تفوّقاً كبيراً، وثانياً، تشير إلى أنّنا نجري بالفعل عملية خاصة، وليس حرباً كبيرة قاسية".
ويأتي ذلك فيما جدّدت الولايات المتحدة و"الناتو" تخلّيها عن كييف، عبر ردّهما على طلب الرئيس الأوكراني بفرض منطقة حظر جوي فوق بلاده، باستحالة تحقيق ذلك. وهو الموقف عينه الذي أشارت إليه لندن بقولها إنّ فرض منطقة حظر طيران غير متاح حالياً في أوكرانيا.
في غضون ذلك، برز موقف مهم، على الصعيد الاقتصادي، لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيدف، الذي وجّه رسالة لفرنسا، بقوله إنّ "الحروب الاقتصادية غالباً ما تحوّلت إلى حروب حقيقية"، في موقف بالغ الأهمية مع تزايُد الضغوط الغربية على بلاده.
ووجّهت الحكومة الروسية وزارة المالية بتوفير تريليون روبل (نحو 10 مليارات دولار) من الصندوق السيادي الوطني، لشراء أسهم في الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات الغربية. كما كشف رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، أنّه جرى "إعداد مشروع مرسوم رئاسي لفرض قيود مؤقتة على خروج قطاع الأعمال الأجنبي من الأصول الروسية".
وتأتي هذه الخطوة استكمالاً للإجراءات التي بدأتها موسكو، وتحديداً المرسوم الخاص الذي أصدره الرئيس فلاديمير بوتين، لاتخاذ إجراءات اقتصادية خاصة على خلفية العقوبات الغربية. ومن أبرز بنود المرسوم، البند القاضي بإلزام المقيمين المشاركين في النشاط الاقتصادي الأجنبي، بالبيع الإجباري للعملة الأجنبية بنسبة 80% من ودائعهم، اعتباراً من 1 كانون الثاني 2022 إلى البنوك المرخصّة، على أساس عقود التجارة الخارجية المبرمة مع غير المقيمين، وذلك في مدّة لا تتجاوز 3 أيام من بدء سريان المرسوم. ويهدف المرسوم، في المقام الأول، إلى منع تدفّق رأس المال إلى خارج روسيا واستقرار سعر صرف الروبل.
ووفقاً للخبراء الروس، فإنّ حجم الصادرات الروسية سنوياً يبلغ نحو 500 مليار دولار، بالتالي فإنّ نسبة 80% التي تحدث عنها المرسوم الرئاسي، من شأنها أن تساعد البنك المركزي في اتخاذ إجراءات والتحكّم في سوق العملات بشكل فعّال، حتى في ظلّ ظروف الحجب الجزئي لاحتياطيات البنك المركزي.
وعلى رغم تأكيد عضو أكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر شيروف، وجود احتياطات هائلة لدى موسكو مقارنة بما يمكن تخيّله، حتى في أكثر السيناريوات فظاعة، وأنّ هناك الكثير من السيولة لدى الحكومة الروسية، إلّا أنّ رئيس معهد الاقتصاد التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر دينكين، أشار إلى أنّه جرى حساب الآثار قصيرة المدى للعقوبات، وأنّ الحكومة قد تعلّمت التعامل مع مثل هذه الأزمات، محذّراً من أنّه على المدى المتوسّط هناك مخاطر أكبر بكثير على الاقتصاد.