تخلّى سياسيّو إيران وأذربيجان عن اللهجة الدبلوماسية، توازياً مع الاستنفار العسكري الذي تشهده الحدود بين البلدين. بدأت الأحداث بقضية شاحنات تعبر الحدود، ووصلت إلى حديث عن «إنشاء قواعد إسرائيلية» قرب الحدود.
يتفاجأ، من خلال التصريحات الرسمية، الطرفان الإيراني والأذري من الإجراءات التي تُتَّبع من قبل الطرفين. طهران من جهتها، تفاجأت من تصريحات الرئيس الأذري حول شاحنات العبور، التي أشعلت فتيل الأزمة من جديد. والأخير تفاجأ من أفواج الحرس الثوري وهي تصل الى حدوده للبدء بمناورة «فاتحو خيبر».
بدأت الأزمة مع حديث الرئيس الأذري إلهام علييف، عن السفر غير القانوني للشاحنات الإيرانية إلى منطقة قره باخ، دون إذن من أذربيجان. وكانت هذه الشاحنات تسافر على الطريق السريع الذي تحرسه قوات حفظ السلام الروسية، بين بلدتي كابان وغوريس الأرمينيتين، وتعبر جزئياً الأراضي التي تم تسليمها إلى أذربيجان، بعد حرب ناغورنو ــ قره باخ العام الماضي.
يُعتبر هذا الطريق الرابط الوحيد لأرمينيا مع إيران. وفي هذه النقطة تحديداً، وبعد مركز قوات حفظ السلام، أقامت القوات الأذرية قبل شهر تقريباً نقطة تفتيش، بدأت بفرض ضرائب وتفتيش على الشاحنات التجارية الإيرانية، لكن الأزمة كبرت عند اعتقال سائقي شاحنات الإيرانيين.

تصريحات نارية
تساءل علييف بغضب عن سبب إصرار إيران على استمرار التجارة في منطقة لا يزيد عدد سكانها على 25 ألف نسمة، بعدما اعتبر أن «سلوك أذربيجان وإجراءاتها كانت على أساس العلاقات الودية في بداية الأمر»، إذ شهدت المرة الأولى التحذير الشفهي، والمرة الثانية مذكّرة رسمية، فيما شهدت المرة الثالثة نشر نقاط التفتيش وقوات حرس الحدود والجمارك، ما أدى إلى توقيف وصول الشاحنات من إيران.
صرَّح علييف، وردّ عليه، الناطق الرسمي باسم الحكومة الإيرانية سعيد خطيب زادة بدبلوماسية، معتبراً أن هناك علاقات طيبة ومحترمة بين البلدين «ومن المستغرب تصريحات الرئيس الأذربيجاني بهذه الطريقة».
لكن تبعت هذا التصريح تسريبات إعلامية في إيران عن مصادر مطّلعة، تفيد بأن الأمور انتقلت إلى مرحلة من المواجهة مع إسرائيل؛ وسار الحديث عن سيناريوات أمنية وعملية عدة بخصوص المراكز الحساسة والمنظومات الاستراتيجية الإسرائيلية والأميركية المرتبطة بإسرائيل، وخصوصاً أن طهران ترى باكو في المحور المناوئ لها، وأن نفوذ الأخير في منطقة وسط آسيا يشكل تهديداً لأمنها القومي.
أمس، بعد البدء بالتجهيز لمناورة «غزاة خيبر» على الحدود الإيرانية - الأذرية، خرج عبد اللهيان أثناء تسلمه أوراق اعتماد السفير الأذري الجديد، بتصريح يدعم التسريبات الإعلامية، مؤكداً أن «إيران لا تتحمل فعالية وتحرك الكيان الصهيوني ضد أمنها القومي، وستفعل أي إجراء يستلزمه الأمر بهذا الشأن»، واعتبر أن المناورات من داخل أراضيها حق سيادي.
مناورة هي الأولى منذ ثلاثين عاماً في هذه المنطقة، رآها علييف «مثيرة للدهشة» وتساءل عن سبب قيامها الآن، علماً بأنها لم تجر وقت ما كانت هذه الأراضي تتبع لأرمينيا. سؤال اعتبره علييف مطروحاً من قبل المجتمع الأذري وجميع الأذريين في جميع أنحاء العالم، مع مراعاة رفع خطاب القوميات الموضوع الأكثر حساسية للقيادة الإيرانية. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها اتهامات متبادلة بين البلدين، دون أن تصل الى المواجهة اللاعسكرية.

المواجهة الأمنية
بعد الهجوم على منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في محافظة أصفهان وسط البلاد، خرجت تقارير روسية عن استخدام إسرائيل أجواء أذربيجان في هجوم شنته طائرات مسيّرة، لكن وزارة الدفاع الأذرية أكدت أنها «لم تسمح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي لتنفيذ هجمات على إيران».
وأضافت الوزارة إن «نشر مثل هذه المعلومات يهدف إلى تقويض العلاقات الأذرية ــ الإيرانية»، متهمةً وسائل إعلام مقربة من أرمينيا بالوقوف وراء ذلك. واليوم، يرى وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، أن إسرائيل تحاول زرع الفتنة والمؤامرات بين البلدين. لكن الدبلوماسية، دائماً ما تخلّلتها نزاعات بسبب فصول حرب الخفاء الدائرة بين إيران وإسرائيل.
عام 2013، نشرت صحيفة «تايمز» البريطانية تقريراً نقلاً عن مصادر مطلعة، أن «الموساد» يقوم من أراضي أذربيجان بجمع المعلومات عن إيران، ويعمل على وضع الخطط لتصفية علماء الذرة الإيرانيين. كعادتها، نفت أذربيجان هذه الاتهامات، ووصفتها بالكاذبة، وبأنها مجرد افتراء وتشهير.
وقتها، علَّق فوفا غول زادة، المستشار الرئاسي السابق في السياسة الخارجية الأذرية أن «مثل هذه الحوادث لا تجبر أذربيجان على أن تنأى بنفسها عن إسرائيل». وأكد أن «على باكو أن تعمل مع القوى الغربية في حال حدوث أنشطة استخبارية إيرانية تسبب ضرراً حقيقياً لأمن البلاد».
اعتبر الأخير أن الضجة التي لحقت هذا التقرير تأتي في إطار الضغط على أذربيجان للحد من تعاونها مع إسرائيل، التي تُعتبر من أكثر البلاد المستوردة للأسلحة من إسرائيل. صنفت عام 2016 بثاني أكبر مستورد، والثالث عام 2017.
في المقابل، أعلنت إيران في نيسان الماضي «إلقاء القبض على جاسوس إسرائيلي ألقي القبض عليه في محافظة أذربيجان الشرقية في إيران، كما تم إلقاء القبض على جواسيس آخرين كانوا على اتصال بأجهزة الاستخبارات في عدة دول».

وساطة في الحرب
في الحرب الأخيرة، حاولت إيران التوسط بين أرمينيا وأذربيجان في الصراع على إقليم ناغورنو ــ قره باخ . لكن حمل العصا من الوسط بين البلدين لم ينجح هذه المرة. فمن جهة، تربط طهران علاقة اقتصادية جيدة مع أرمينيا، وبالتالي وصولاً الى روسيا، ومن جهة أخرى، تعتبر قضية القومية الأذرية حساسة بالنسبة إلى إيران، إذ تصنف القومية الأذرية في إيران الثانية في التركيبة الاجتماعية بعد القومية الفارسية.
مع العلم أنه لطالما اعتبرت حكومة باكو أن طهران أميل الى أرمينيا في هذه القضية، لكن الموقف الرسمي الإيراني الذي أعلنه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي دعم أذربيجان في حربها لاسترجاع أراضي الإقليم.
تشابك العلاقة المعقدة بين إيران وأذربيجان يعود إلى عقبات، أولاها الموقع الجغرافي للبلدين، ما يُعتبر أهميةً استراتيجية لهما في طرق التواصل والاقتصاد من جهة، ومن جهة أخرى، جانب القومية المشتركة والعقيدة المتمثلة بأن غالبية سكانها من المسلمين الشيعة.
فوق كل هذا، ستحدد السياسة الخارجية لكل منهما ماهية المرحلة المقبلة، وإذا ما كان التوجس الأمني الإيراني الذي دائماً ما صبغ العلاقة مع باكو بسبب النفوذ الأميركي والإسرائيلي هناك، سيعلو فوق المصالح الاقتصادية.