طهران | قبل عشرين عاماً، حين غزت الولايات المتحدة أفغانستان، وأطاحت حكم «طالبان»، سعت إيران إلى الاستفادة من هذا التطوّر، لا سيما أنها كانت تَعتبر الحركة تهديداً لأمنها. بعد ذلك، بُنيت السياسة الإيرانية، على مدى الأعوام العشرين الماضية، على دعم الحكومة المركزية والاستقرار في أفغانستان. لكن تنامي سلطة «طالبان»، في ظلّ فشل الحكومة، وانسحاب القوات الأميركية، أثارا قلق طهران، وحثّاها على إعادة تنشيط التواصل مع «طالبان»، واعتماد خطاب الدعوة إلى «المصالحة». ومن هنا، استضافت طهران، قبل نحو شهر، وفدَي الحكومة المركزية و«طالبان»، لمناقشة «آلية الانتقال من الحرب إلى السلام الدائم»، على رغم أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت وضعت «طالبان» على قائمة المجموعات الإرهابية. هكذا، توصّلت إيران، كما سائر بلدان المنطقة بما فيها روسيا والصين، إلى استنتاجٍ بأن سيطرة «طالبان» ستتحوّل إلى أمر واقع، وأنه لا بدّ من التواصل معها لخفض التهديدات، والاضطلاع بدور في مستقبل أفغانستان. ومنذ أشهر عدّة، حين قرّرت واشنطن سحب قوّاتها العسكرية، في نهاية آب، بدأت طهران تنظر إلى التطوّرات الأفغانية بنوعٍ من الترقّب، في سبيل الإحاطة الشاملة بالظروف كافة، وإمساك زمام المبادرة عند الضرورة.ويتمثّل الهاجس الإيراني الأهمّ تجاه الجارة الغربية، التي تشترك معها بحدود طولها 800 كيلومتر، في عدم توسّع التدهوّر الأمني إلى درجة تَمسّ بها، وأن لا يتحوّل فراغ السلطة في أفغانستان، إلى بوّابة لتهديد أمن الجمهورية الإسلامية. وفي هذا الإطار، تعتقد إيران، القلقة من تنامي قوّة «داعش» في أفغانستان، بأن «طالبان» بوسعها احتواء التنظيم، لا سيما أنّ الحركة تُعدّ مجموعة محلّية، ولا تطرح أهدافاً عابرة للحدود. ويقول مصدر في وزارة الخارجية، مطّلع على مجريات جولات عدّة من المحادثات بين طهران و«طالبان» لـ«الأخبار» إن «إيران عبّرت، خلال المحادثات، عن هواجسها الأمنية». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «طالبان تعهّدت بألّا تتحوّل إلى مصدر للتهديد ضدّ أمن إيران» وينبّه إلى أنه «حتّى لو أقامت إيران اتّصالاً مع طالبان، فإن ذلك لا يعني الدفاع عن توجّهات هذه المجموعة»، موضحاً أن «طالبان لم تكن الخيار المحبّذ بالنسبة إلى طهران»، مستدركاً بأن «المتطلّبات الأمنية دفعت بالجمهورية الإسلامية إلى الدخول في مفاوضات معها، لكي يساعدها ذلك على الإمساك بزمام المبادرة، على أن تؤخذ اعتباراتها في الحسبان أيضاً». ويلفت المصدر إلى أن طهران «تفضّل أن تتشارك جميع القوى السلطة في أفغانستان»، معتبراً أن «أفضل حلّ يتمثّل في تبلور المصالحة بين جميع الأطراف الأفغانية، لرسم المستقبل السياسي الجديد الخالي من العنف والتدخّلات الأجنبية، بحيث يعود ذلك بالنفع على إيران».
مصدر في الخارجية: «طالبان» تعهّدت بألّا تتحوّل إلى مصدر لتهديد أمن إيران


وفي أوّل تعليق من الرئيس إبراهيم رئيسي على التطوّرات الأفغانیة، بعد سقوط حكومة محمد أشرف غني، قال رئيسي إن «إيران سوف تسعى إلى تأمين الاستقرار في أفغانستان، وتدعو جميع الفرقاء في هذا البلد الشقيق و الجار، إلى التوصّل إلى وفاق وطني». وأضاف أنّ «الهزيمة العسكرية وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان، يجب أن يتحوّلا إلى مناسبة لإعادة الحياة والأمن والسلام المستدام في هذا البلد». وعبّر عن اعتقاد القيادة الإيرانية بأن «الأمن والاستقرار في أفغانستان لا يأتيان إلّا عبر احترام إرادة هذا الشعب المظلوم»، لافتاً إلى أن «إيران ترصد تطوّرات الأحداث في أفغانستان، وتلتزم بسياسات حسن الجوار في علاقاتها مع هذا البلد». من جانبه، أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، في تغريدة له على موقع «تويتر»، «إننا، على غرار العقود الأربعة الماضية، سنقف إلى جانب الشعب الأفغاني ومطالبه».
وكان وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، أعلن دعم طهران تشكيل «مجلس تنسيق» في أفغانستان، مشيراً إلى أن الجمهورية الإسلامية تسعى لإرساء «المصالحة» هناك. وغرّد ظريف على موقع «تويتر»، قائلاً إن هذا المجلس يمكن أن يمهّد لـ«الانتقال السلمي إلى السلام المستديم». ويمكن عَدّ تغريدة ظريف مؤشّراً إلى أن إيران، على رغم بعض هواجسها، قد قبلت بواقع تجاوز أفغانستان لحكومة أشرف غني ودخولها مرحلة جديدة. على خطّ موازٍ، استقبل ظریف، ممثّل جمهورية الصين الشعبية الخاص بشؤون أفغانستان، يوشياؤو يونغ، واستعرض معه آخر التطوّرات على الساحة الأفغانية. وأثناء ذلك، أفاد المتحدّث باسم الخارجية، سعيد خطيب زادة، بأنه جرى خفض عدد موظّفي السفارة الإيرانية في كابول، في الوقت الذي لم تعمد فيه إيران إلى إخلاء سفارتها، على غرار عدد من الدول. ويعدّ هذا مؤشّراً آخر إلى أن طهران لا تريد التغيّب عن الظروف الجديدة التي تعيشها أفغانستان.