تعيش البيرو على صفيح ساخن، في أعقاب التغيرات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية في البلاد، إذ قام المجلس التشريعي بتصويت تاريخي أفضى إلى إقصاء الرئيس البيروفي، مارتن فيزكارا، من الرئاسة، على خلفية اتّهامات بتلقّيه رشى في عام 2014، حين كان لا يزال حاكم ولاية، ليتولّى بعدها رئيس الكونغرس، مانويل ميرينو، الرئاسة موقّتاً. لكن بعد أقلّ من أسبوع، وعلى خلفية الاحتجاجات الشعبية المناهضة لميرينو، والتي تخلّلتها مواجهات عنيفة مع الشرطة، وراح ضحيتها قتيلان وعشرات الجرحى، تراجع هذا الأخير عن الرئاسة، واستقال أول من أمس، بناءً على طلب عدّة أحزاب سياسية، تاركاً فراغاً رئاسياً وأزمة دستورية لم يشهدها البلد الواقع في أميركا الجنوبية من قبل.وفي خطاب ملتفز، قال ميرينو: "أريد أن تعرف البلاد بأسرها أنني عزمت على الاستقالة". وكان يُفترض أن يتولّى ميرينو منصب الرئاسة لغاية شهر تموز/ يوليو 2021، وهو موعد انتهاء ولاية الرئيس المخلوع فيزكارا. وتأتي الاستقالة هذه بعد انسحاب 12 من وزراء الحكومة التي شكّلها، احتجاجاً على "وحشية قوات الشرطة والطريقة التي أدار فيها الرئيس الموقت هذه الأزمة".
حتى الآن، لم ينجح الكونغرس البيروفي في اختيار رئيس جديد للبلاد، على رغم عقدهِ جلستين طارئتين في وقتٍ متأخر من مساء الأحد، وصباح أمس. إذ تمّ رفض الاسم الوحيد الذي طُرح، وصاحبه الكاتب والناشط الحقوقي اليساري، روسيو سيلفا سانتيستيبان، فيما أٌعلن عن العمل على قائمة جديدة تضمّ رئيساً موقّتاً ووزراء يمثّلون أطيافاً سياسية متعدّدة لقيادة المرحلة المقبلة في البلاد، حتى موعد إجراء انتخابات في نيسان/ أبريل المقبل.
لم تشهد البيرو موجه غضب شعبية كهذه منذ عقود


وكان المتظاهرون الذين نزلوا إلى شوارع العاصمة ليما، وعدّة مدن بيروفية، على مدى الأيام الستة الماضية، احتجاجاً على عزل فيزكارا، قد اعتبروا أن "الكونغرس قام بترتيب انقلاب برلماني"، في حين قابلتهم الشرطة باستخدام الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي.
يُذكر أن البيرو لم تشهد موجة غضب شعبية كهذه منذ عقود. وفي هذا السياق، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة "هارفرد"، ستيفن ليفيتسكي، قوله إن هذه "الاحتجاجات بعثت برسالة مدوّية إلى النخب السياسية مفادها أن البيروفيّين سيكونون بمثابة رقابة على الكونغرس إذا حاول الاستيلاء على السلطة بطريقة غير شرعية"، فيما اعتبرت أستاذة العلوم السياسية في جامعة "جورج واشنطن"، سينثيا مكلينتوك، أن "من المرجح أن تهدّئ استقالة ميرينو الاحتجاجات موقّتاً"، مستدركة بالقول: "لكن الكثير لا يزال معلّقاً من جهة مستقبل الرئاسة غير المؤكد"، وفق ما نقلت عنها الوكالة.
ويبدو أن فيزكارا يتمتّع بمساندة شعبية واسعة، بسبب الجهود التي كان يبذلها في سبيل الإصلاح. إذ خاض، منذ تولّيه السلطة عام 2018، صراعاً مع الكونغرس، متّهماً البرلمانيين بـ"إبطاء الجهود في مكافحة الفساد من أجل حماية مصالحهم". وبفعل ذلك، تعرّض لمحاولة عزل أولى فاشلة في أيلول/ سبتمبر الماضي، عقب تصويت جرى في البرلمان. وأعلن الرئيس المعزول أنه سيغادر منصبه ورأسه "مرفوع"، مستبعداً اتخاذ إجراء قانوني لمقاومة قرار الكونغرس. وقال محاطاً بوزرائه في فناء مقرّ الحكومة، الأسبوع الماضي: "أغادر القصر الحكومي حيث دخلت قبل عامين وثمانية أشهر ورأسي مرفوع".
إلى ذلك، تسيطر مخاوف في الأوساط البيروفية من تفاقم هذه الأزمة السياسة، وخصوصاً في ظلّ المصاعب الاقتصادية التي تواجهها البلاد نتيجة تفشّي وباء "كورونا"، الذي لا يزال يسجّل معدّلات إصابات ووفيات عالية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا