إسطنبول | لم يكن انفجار الوضع الأمني على الحدود بين آذربيجان وإقليم ناغورنو قره باغ مفاجئاً لأحد، إذ أتى بعد ثلاثة أسابيع على انتهاء المناورات التركية - الآذربيجانية البرية والجوية، التي استمرّت أسبوعين واستُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المتطوّرة التي كانت نقلتها القوات التركية إلى آذربيجان. وجاءت هذه المناورات عقب ثلاثة أسابيع أيضاً على الاشتباكات التي وقعت على الحدود مع ناغورني قره باغ، وراح ضحيتها آنذاك (13 تموز/ يوليو الماضي) لواء وعقيد و11 من العساكر الآذربيجانيين.تبادل الطرفان، حينها، الاتهامات ببدء العدوان، فيما أعلنت أنقرة تأييدها المطلق «لآذربيجان الشقيقة»، وقام وزيرا الدفاع والخارجية وقادة القوات المسلحة فيها بزيارات متتالية إلى باكو، حيث يقوم ضباط أتراك بتدريب القوات الآذربيجانية. وأجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقتها، اتصالات هاتفية مع باكو ويريفان لمنع المزيد من التدهور في الوضع العسكري، بعد أن اتهم الجانب الأرميني تركيا بتسليم باكو أسلحة متطورة، منها الطائرات المسيّرة التي تحمل المتفجّرات، ليبدأ الجيش الآذربيجاني باستخدامها ضدّ المواقع الأرمينية. وتحدّثت المعلومات الصحافية التركية، آنذاك، عن تسليم أنقرة باكو المئات من هذه الطائرات المسيّرة، التي تقوم بتصنيعها شركة تابعة لصهر الرئيس رجب طيب إردوغان، سلجوق بيرقدار.
أحداث أمس حملت تطوّرات إضافية، خصوصاً أنها جاءت بعد خفوت التوتر مع اليونان على خلفية قضايا بحرَي إيجة والأبيض المتوسط، وتزامنت مع المعلومات عن نقل المئات من المرتزقة السوريين من فصيلَي «السلطان مراد» و»السلطان سليمان»، وغالبيتهم من التركمان السوريين وبعض العناصر القوميين الأتراك، إلى آذربيجان، ونشرهم على طول الحدود مع إقليم قره باغ. والأخير كان يقع داخل حدود آذربيجان، وأغلبية سكانه من الأرمن، الذين سيطروا على الإقليم عام 1991 بعد تمزّق الاتحاد السوفياتي. كذلك سيطرت القوات الأرمينية، مدعومة من مرتزقة روس، على ستة أقضية آذربيجانية في جوار الإقليم، ما اضطر سكانها، وعددهم حوالى مليون، إلى الهرب إلى جوار العاصمة باكو، فيما تمّ ترحيل الآلاف من الأرمن الذين كانوا يسكنون في باكو ومدن أخرى إلى أرمينيا التي لا يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين، مقابل تسعة ملايين هم عدد سكان آذربيجان الآن.
تأتي تطورات أمس بعد الانفراج في التوتر التركي مع اليونان


فشلت جميع المساعي الأوروبية والروسية والأميركية والأممية، طيلة الفترة الماضية، في التوصّل إلى حلّ لمشكلة الإقليم الذي كان يتمتع بحكم ذاتي داخل حدود آذربيجان في العهد السوفياتي. ولم يحالف الحظّ الأرمن في قرة باغ في إقناع العالم بالاعتراف بهم ككيان مستقلّ أو في ضمّ إقليمهم إلى أرمينيا التي تفتقر إلى الإمكانيات العسكرية والاقتصادية التي تملكها آذربيجان النفطية المدعومة من تركيا. وتتحدّث المعلومات عن دعم إسرائيلي عسكري واستخباري واسع لآذربيجان، بما في ذلك طائرات التجسّس ذات التقنية العالية. ويسهم عدد من رجال الأعمال اليهود الآذربيجانيين، ولهم ثقل كبير في موسكو وتل أبيب أيضاً، في هذا التعاون الذي يمتدّ حتى جورجيا، والهدف منه محاصرة إيران من الشمال والتجسّس عليها، والعمل الاستخباري في شمال غرب إيران حيث يعيش حوالى 20 مليوناً من ذوي الأصول الآذرية.
ستجد موسكو نفسها في قره باغ وجهاً لوجه مع أنقرة التي تتعارض معها في الحسابات في ليبيا وسوريا، وبشكل خاص غربي الفرات حيث يرفض الجانب التركي الانسحاب من محيط إدلب وباقي المناطق التي يوجد فيها الجيش التركي. ويتوقع مراقبون أن لا يتأخر الأخير في التدخل المباشر إلى جانب آذربيجان ذات الموقع الاستراتيجي في القوقاز وبحر قزوين، وعبرهما بالنسبة إلى آسيا الوسطى حيث الغاز والبترول في كازاخستان وتركمانستان. ويقول البعض إن إردوغان، بدوره، بحاجة إلى مثل هذه الأزمات الساخنة التي ستساعده على إلهاء الرأي العام الداخلي عبر الشعارات القومية والدينية، وخاصة أن الأرمن طرف في الحسابات التاريخية لتركيا، وريثة الدولة العثمانية التي يقولون إنها أبادت أكثر من مليون أرمني إبّان الحرب العالمية الأولى (وهو ما ترفضه أنقرة). ويفسّر كلّ ذلك ما كتبه إبراهيم قره غول، رئيس تحرير صحيفة «يني شفق»، وهو مقرّب جداً من إردوغان، إذ ناشد أنقرة «قصف العاصمة الأرمينية يريفان».
تتوقع مصادر دبلوماسية أن يجري الرئيس الروسي اتصالين هاتفيين بالرئيسين التركي والآذربيجاني، فيما تستبعد الأوساط السياسية والإعلامية للجانب الآذربيجاني أن يتراجع عن موقفه الحالي بعد حصوله على دعم كبير من أنقرة. وتقول إن الرئيس إلهام عالييف بحاجة إلى مثل هذا التوتر لشحن الشعور القومي والديني للشعب الآذربيجاني ضدّ الأرمن، لأنه يعاني من مشاكل داخلية معقدة بسبب قضايا الفساد التي طالته وجميع أفراد عائلته، وخاصة زوجته مهربان، وهي نائبة رئيس الجمهورية.
تفرض السلطات الآذربيجانية قيوداً مشدّدة على وسائل الإعلام، وتلاحق كلّ مَن يسعى إلى التعرّض لسياسات عالييف الداخلية والخارجية، والأهمّ المالية، إذ لا يستطيع أحد أن يكتب عن مداخيل البترول والغاز. يتحكّم عالييف وعائلته والمقرّبون منه في هذه المداخيل، وتغطّي إسرائيل حوالى 40 في المئة من احتياجاتها من بترول آذربيجان الذي يُضخّ إلى ميناء جيهان التركي ومنه إلى ميناء حيفا.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا