طهران | الخطوة الأوروبية المتمثلة بتفعيل «آلية فضّ النزاع» مسارٌ، إن نُفذت مراحله بالكامل، يفضي إلى إعادة عقوبات الأمم المتحدة على إيران. ومع ذلك، يزعم الدبلوماسيون الأوروبيون أن الهدف من هذا القرار هو حفظ الاتفاق النووي من خلال الحوار والتشاور مع إيران كي تعود إلى التزاماتها في الاتفاق، لا إعادة فرض العقوبات الدولية عليها. في المقابل، انتقد المسؤولون الإيرانيون بشدة الخطوة، واعتبروها مؤشراً على استسلام الأوروبيين وخوفهم من الولايات المتحدة، بعد العجز عن توفير مصالح الاتفاق، لتزداد حملة الضغوط في توقيت التوتر الأخطر بين طهران وواشنطن. وفيما تشدّد أوروبا على أن تفعيل الآلية يتم، فقط، من أجل إعادة إيران إلى العمل بالتزاماتها، تذهب بعض التكهنات إلى أنها بداية لإلغاء القرار 2231 وإعادة العقوبات ثانية، وبالتالي نهاية الاتفاق النووي.أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «الشهيد بهشتي» في طهران، حميد رضا عزيزي، يرى في حديث إلى «الأخبار» أن الإجراء الأوروبي يأتي من منطلق الانفعال وغياب رؤية استراتيجية: «الدول الأوروبية الثلاث تفتقر إلى القدرة اللازمة لحفظ الاتفاق النووي. هذه الدول التي انتقدت لحدّ الآن أميركا بسبب انسحابها من الاتفاق كانت بصدد الإيحاء لأميركا عن طريق تفعيل آلية فض النزاع أنها لا تقف إلى جانب إيران... ولهذا السبب، تصرّفت بطريقة منفعلة. التقرير الأخير لواشنطن بوست يظهر أن أوروبا خضعت لضغط أميركي». ويتحدث عن سيناريوين، أحدهما يتّسم بالتفاؤل، وآخر بالتشاؤم: «السيناريو المتفائل يتمثل في أن الخطوة الأوروبية تأتي لإرضاء أميركا فحسب، ولشراء الوقت حتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية واتضاح مصير دونالد ترامب، عسى أن تطرأ خلال هذه الفترة تغيرات على العلاقات بين إيران وأميركا وتتبلور محادثات بين الطرفين. تأسيساً على هذا السيناريو، فإن الأوروبيين بصدد إيجاد انفراج للخروج من الطريق المسدود الحالي عن طريق الحوار داخل آلية فض النزاع». أما السيناريو المتشائم فـ«يتمثّل في أن الإجراء الأوروبي سيؤدي إلى زيادة معارضة الاتفاق داخل إيران، علماً بأن تصاعد الضغوط التي يمارسها معارضو الاتفاق تدفع بإيران الى اتخاذ خطوات جديدة. أو أن يتجه الطرف الأوروبي، متأثراً بالضغوط الأميركية والبريطانية، نحو تجديد أدوات العقوبات، الأمر الذي يفضي إلى انهيار الاتفاق».
ويضيف عزيزي: «النقطة التي لم تأخذها أوروبا بالاعتبار هي أثر هذا الإجراء على التوجه الإيراني، وزيادة منسوب التشاؤم تجاه الاستمرار في البقاء في الاتفاق. هذا الإجراء اتُّخذ في ظروف كانت إيران قد أعلنت فيها أن الخطوة الخامسة لخفض الالتزامات هي آخر خطوة، وليس مقرراً أن تنتهي عمليات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمراقبة والإشراف. وكانت هذه إشارة إيجابية للطرف الأوروبي. لكن الآن، وبعدما حصل ما حصل، قد تلجأ إيران، كردة فعل، إلى تقييد وتقليص عمليات المراقبة، أو أن تنسحب نهائياً من الاتفاق». ويرى عزيزي أن تحقق هذين السيناريوين في المناخ الحالي مرجح بقدر متساوٍ، وتحقق أيّ سيناريو على أرض الواقع يتوقف على ما إذا كانت التطورات المستقبلية في العلاقات بين إيران وأميركا تتجه نحو التصعيد أو خفض التصعيد، أو ماذا ستكون نتيجة الانتخابات الأميركية، أو ما إذا كانت الضغوط الأميركية على أوروبا ستتواصل أو لا».
الإجراء الأوروبي سيؤدي إلى زيادة معارضة الاتفاق داخل إيران


من جهته، يلفت الصحافي والخبير بالقضايا الدولية جلال خوش جهرة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الإجراء الأوروبي الذي يمكن اعتباره رمزياً يهدف إلى ممارسة التهديد والتحذير الجادّ لإيران للعودة عن مسار خفض التزاماتها في الاتفاق. ويقول: «الخطوات الاحتجاجية الإيرانية متعلّقة بعجز الأطراف الأوروبية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، بحيث إن إيران كانت تأمل أن يبادر الأوروبيون، إضافة إلى مواقفهم المعلنة في التنديد بانسحاب أميركا من الاتفاق، إلى التعويض عن الخسائر التي لحقت بإيران، لكن لم يُتخذ إجراء مؤثر في هذا المجال فحسب، بل أصبح الأوروبيون يواكبون البيت الأبيض شيئاً فشيئاً». ويتوقع أن يجعل إعلان الأوروبيين وضع «آلية الزناد» موضع التطبيق الوضع «أكثر تأزماً»، ولا سيما أن هذا الاجراء «يعزز الظن لدى طهران بأن الأوروبيين، رغم مزاعمهم بحفظ الاتفاق، يفكرون بالتحالف مع واشنطن في فرض اتفاق جديد على طهران أو إعادة تعريف الاتفاق بآلية تستجيب لمطالب ترامب». ويتابع خوش جهرة: «الإعلان عن تطبيق آلية الزناد، وكذلك التصريحات كالتي أطلقها بوريس جونسون الذي قال إن مشروع دونالد ترامب حول البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يكون بديلاً من الاتفاق النووي، لا تفضي إلى تصعيد الخلافات في العلاقات بين إيران وأوروبا فحسب، بل ستسهم في تعزيز سياسة الضغوط القصوى لإدارة ترامب وما يستتبعها من زيادة سوء الظن والتوترات في منطقة الخليج». ويحذّر من أنه «على الرغم من ضبط النفس الذي اعتُمد من قبل جميع الأطراف خلال الأيام الأخيرة الحافلة بالأحداث، فإنه يبدو أن الجميع وإصبعهم على الزناد باتوا يراقبون سلوك وتصرفات أحدهم الآخر».
كلّ ما تقدّم قد يقود إلى ترجيح أن الهدف الرئيسي لأوروبا، من تفعيل الآلية، يتمثل في خوض محادثات مع إيران والسعي لإقناعها بتغيير قرارها والرجوع إلى تنفيذ الاتفاق. فمن المستبعد أن يتمّ إلغاء الاتفاق واستئناف العقوبات الدولية على إيران. لكن من غير الواضح، في الظروف التي لم يتمكّن فيها الأوروبيون من مساعدة إيران على الانتفاع بالاتفاق، الدافع الذي يجعل طهران تعود إلى المربع الأول وتتراجع عن جميع خطواتها التي اتخذتها لخفض التزاماتها، ما يجعل الجميع أمام طريق مسدود يصعب الخروج منه.