هي المرة الـ 11 التي يؤمّ فيها صلاة الجمعة في طهران. خطوة نادرة يقوم بها المرشد علي خامنئي، هي الأولى منذ عام 2012، بما جعلها تحمل بحدّ ذاتها دلالات، ليأتي من ثمّ مضمون الخطاب مركّزاً على لملمة المشهد في الداخل الإيراني بعد مأساة إسقاط الطائرة الأوكرانية، ومعيداً تصويب الاهتمام نحو مسار المواجهة مع الولايات المتحدة، إقليمياً.خامنئي، الذي ظهر متكئاً على سلاح وخلفه راية سوداء بجانب العلم الإيراني، وصف الرد الأولي السريع بالقصف الصاروخي على قاعدة «عين الأسد» الأميركية في العراق بأنه «يوم من أيام الله» التي تشكّل نقاط تحوّل تاريخية ومفصلية تترك آثاراً. وقال: «الأهم من هذه الضربة العسكرية كان الضربة التي وُجّهت لمكانة وهيبة قوّة عظمى كأميركا، هذه الضربة القوية التي استهدفت مكانتهم لا يُمكن تعويضها بأيّ شيء، تشديد الحظر الذي يتحدّث عنه الأميركيون اليوم لن يُعيد إليهم ماء وجههم».
وإذ وصف كارثة الطائرة بالحادثة المريرة للغاية التي «أحرقت قلوبنا بالمعنى الحقيقي للكلمة وأوجعتها»، رفض التشويش على إنجاز الردّ عبر استغلال الأميركيين والبريطانيين للمأساة، متسائلاً: «هل هؤلاء المئات الذين أهانوا صورة الجنرال سليماني يمثلون الشعب الإيراني؟ أم الحشود المليونية في الشوارع؟». وشكر أهالي الضحايا الذين «تصدّوا لمؤامرة الأعداء وتحدّثوا خلافاً لرغباتهم»، كما شكر قادة الحرس الثوري على تصريحاتهم بالخصوص، وطالبهم بالمتابعة الجدّية لاجتناب تكرار مثل هذه الحوادث: «الوقاية أهم من المتابعة حتّى لا نشهد تكرار مثل هذه الحوادث».
وأشاد بتوحّد الشعبين العراقي والإيراني والتشييع الكبير للشهيدين ورفاقهما في العراق وإيران وتعاطف الملايين حول العالم مِمَّن «يؤيدون قول «لا» لجميع إملاءات الدول المتعجرفة والاستعماريين». وشدد على أهمية «قوة القدس المؤسسة الإنسانية... المجاهدون بلا حدود»، قائلاً: «إنها توجد أينما اقتضت الحاجة مساعدة شعوب المنطقة لصون كرامة المستضعفين... هؤلاء هم من يبعدون ويصرفون شبح الحرب والإرهاب والدمار عن بلدنا». وهاجم الإيرانيين الذين يرفعون شعار «لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء لإيران»، معتبراً أن من يفدي روحه لوطنه فعلاً هم أمثال سليماني.
أميركا تستهدف جعل سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة


ورأى أن «إعلام العدو يتهم إيران بإثارة حروب بالنيابة وهي فرية كبرى، فشعوب المنطقة قد استيقظت»، وأن «مصير المنطقة يتوقف على التحرّر من الهيمنة الأميركية». ودعا العالم الإسلامي إلى إزالة عوامل التفرقة: «نستطيع معاً أن نقيم أسس الحضارة الجديدة». ووصف الإدارة الأميركية ورئيسها بالإرهاب، مشيراً إلى أن هذا النوع من الجرائم، أي اغتيال قادة المقاومة، كان «قبل هذا الاغتيال محصوراً بالكيان الصهيوني»، رغم أن الأميركيين ارتكبوا «في العراق وأفغانستان جرائم عديدة وقتلوا كثيرين».
وتوجّه خامنئي في الختام بكلمة بالعربية أشاد فيها بكلّ من المهندس وسليماني، ودعا العرب والمسلمين إلى إحياء الثقة بالنفس وعدم الرهبة من العدو والتعاون والتقارب علمياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً: «التلاحم بين قوانا العسكرية سيبعد المنطقة كلّها عن الحروب والعدوان، والارتباطُ بين أسواقنا سيحرّر اقتصاد بلداننا من سيطرة الشركات الناهبة». وتابع: «أعداؤنا وأعداؤكم يريدون أن يحققوا تقدمهم الاقتصادي على حساب ثروات بلداننا، وأن يبنوا عزّتهم على حساب ذلّ شعوبنا، ويسجّلوا تفوّقهم بثمن تفرّقنا. يريدون إبادتنا على أيدينا». وزاد بالقول: «أميركا تستهدف أن تجعل فلسطين دونما قدرة على الدفاع أمام الصهاينة الظالمين المجرمين، وأن تجعل سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة، وتريد العراق وثرواته النفطية بأجمعها ملكاً لها. ولتحقيق هذا الهدف المشؤوم، لا تتوانى عن ارتكاب الظلم والعدوان. الامتحان العسير الذي مرّت به سوريا والفتن المتوالية في لبنان، والأعمال الاستفزازية والتخريبية المستمرة في العراق نماذج لذلك».
وهاجم الزعيم الإيراني الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) بشدّة، لاتهامها إيران بانتهاك الاتفاق النووي واللجوء إلى «آلية فض النزاع» في الاتفاق بمواجهة تخفيف طهران التزاماتها في «الخطوة الخامسة» رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق. واستنكر «تهديد الحكومة البريطانية الشريرة والحكومتين الفرنسية والألمانية، إيران، بإحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن»، قائلاً: «بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، هي أذيال لأميركا. هذه الحكومات الجبانة تريد من الأمّة الإيرانية أن تركع». ولم يرفض المرشد التفاوض مع أيّ أحد «عدا الأميركيين»، مشترطاً أن يكون التفاوض «من موقع القوة». ونبّه إلى أن أسلوب الأوروبيين في التفاوض «ممزوج بالمكر والخداع... أولئك السادة اللّبقون الذين يجلسون خلف طاولة التفاوض هم في الحقيقة الإرهابيون في مطار بغداد، لكنهم يرتدون زيّاً مختلفاً».