يقابل الحذرَ الصيني إزاء اتفاق المرحلة الأولى التجاري الذي أتاح إرساء هدنة تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، ارتياحٌ أميركي عبَّرت عنه تصريحات مفاوض البيت الأبيض الرئيس. وفيما لا يزال يتعيّن على الطرفين توقيع الاتفاق رسمياً بعد ترجمته وتنقيحه، بدا خبراء التجارة الدولية متشكِّكين في جدوى توافق يعتبرون مداه محدوداً. وقبل التوقيع المرتقب بداية العام المقبل، أشاد الممثل الأميركي للتجارة، روبرت لايتهايزر، باتفاقٍ سيُضاعف الصادرات الأميركية إلى الصين، معتبراً في حديث إلى شبكة «سي بي إس»، أول من أمس، أن الاتفاق التجاري المبدئي الذي أُعلن عنه يوم الجمعة، «لافت» على رغم أنه «لا يحلّ كلّ المشكلات الأساسية». ورأى في الاتفاق الذي قال إنه يحتاج إلى «التنقيحات» المعتادة على النص «خطوة أولى في جهود اندماج نظامين مختلفين تماماً، ستعود بالفائدة على البلدين». لايتهايزر، الذي يقود المفاوضات مع بكين، أوضح أن «الأمر لا يتعلّق فقط بالزراعة وشراء منتجات أخرى»، لافتاً إلى أن «المرحلة الأولى» تتضمّن عناصر حول حماية الملكية الفكرية والتكنولوجيات والنقد والخدمات والمالية، وما يميّزها أنها «قابلة للتنفيذ». وأكّد، من جهة أخرى، أن نصّ الاتفاق، الذي لا يزال قيد الترجمة، يشمل شراء منتجات زراعية أميركية بقيمة 50 مليار دولار، مُذكِّراً بأن الصين التزمت شراء منتجات أميركية إضافية «لا تقلّ قيمتها عن 200 مليار دولار خلال العامين المقبلين» في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة والخدمات، ما يعني أن الصادرات الأميركية إلى الصين ستتضاعف في العام الأول، على أن تبلغ ثلاثة أضعاف في العام الثاني.
المستفيد الأكبر من الاتفاق سيكون الرئيس الأميركي الذي يسعى للفوز بولاية ثانية

وفي مقابل الالتزامات الصينية الواردة في الاتفاق، تراجعت إدارة دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية إضافية كانت ستدخل حيّز التنفيذ أول من أمس، كما وافقت على أن تُخفّض إلى النصف تلك التي فرضتها في الأول من أيلول/ سبتمبر على 120 مليار دولار من الواردات الصينية، ولكنها أبقت على الرسوم الجمركية المشدَّدة بنسبة 25% المفروضة على ما يوازي 250 مليار دولار من المنتجات الصينية. وفي حين ينظر وفد التجارة الصيني بعين التفاؤل إلى الاتفاق، خيّم الحذر على بعض مسؤولي الحكومة؛ إذ أفاد «مصدر مطّلع» في بكين، «رويترز»، بأن الاتفاق يُعدُّ «تقدُّماً مرحليّاً»، لكنه «لا يعني أنه تمّت تسوية النزاع التجاري بشكل فوري ونهائي»، مشيراً إلى أن توقيع وتنفيذ الاتفاق يظلّان المعيار الأول للنجاح. ونقلت الوكالة عن عدد من المسؤولين الصينيين قولهم إن صياغة الاتفاق ما زالت مسألة حسّاسة، وإن الحذر ضروري في هذه المرحلة لضمان ألّا تجدِّد الصياغات المستخدمة في النص التوترات بين البلدين. وربط لايتهايزر نجاح الاتفاق بقرارات المسؤولين في بكين، وقال: «في نهاية المطاف، الذي يحدِّد فرص نفاذ هذا الاتفاق بالكامل هو من يتّخذ القرارات في الصين، لا في الولايات المتحدة»، مضيفاً: «إذا كان المتشدِّدون هم من يتّخذون القرارات، فسنحصل على نتيجة ما، وإذا كان الإصلاحيون هم من يتخذون القرارات - وهو ما نأمله - فسنحصل عندئذٍ على نتيجة أخرى».
ويرى الخبيران الاقتصاديان في «أوكسفورد إيكونوميكس»، غريغوري داكو وليديا بوسور، أنه «بمعزل عن افتقار الاتفاق إلى الجوهر، وعدم نصِّه سوى على تخفيض طفيف للرسوم الجمركية، إذ تبقى الرسوم مفروضة على ثلثي الواردات القادمة من الصين، فإن وطأته على الاقتصاد الكلي طفيفة». وما يزيد من ضحالة الاتفاق في نظر خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية إدوارد ألدن، أنه يأتي «بعد أضرار اقتصادية كبرى». ويعتقد ألدن، وفق «فرانس برس»، أن الاتفاق «لا يحلّ فعلياً المشكلات البنيوية العميقة جداً التي يعاني منها الاقتصاد الصيني»، مشيراً إلى أن تسوية أشدّ النقاط الخلافية، على غرار الدعم الصيني لبعض القطاعات، أُرجئت إلى وقت لاحق. وعلى الرغم من ذلك، يشدِّد خبراء الاقتصاد على أن هذه الهدنة ستُترجَم ارتياحاً في الأسواق بعد مبارزة استمرّت سنتين وهدّدت النمو العالمي، لكن ألدن يقول إنه «من الصعب جداً اعتبار ذلك انتصاراً كبيراً في الحرب التجارية»، لأن المستفيد الأكبر، بنظره، سيكون الرئيس الأميركي الذي يسعى للفوز بولاية ثانية.